الأحد، 20 فبراير 2011

الخلاص من الأب الفرويدي

بقلم: أحمد إبراهيم أحمد

برولوج
وللحرية الحمراء بابٌ     ~     بكل يد مُضرجة يدق

يوظف فرويد الدلالات الرمزية في الأساطير لتفسير نشأة النظام الأخلاقي، فيستلهم آليات التَشَكُل التاريخي للأخلاق والحضارة الإنسانية من أسطورة (قتل الأب وأكله) بطبيعتها الأنثروبولوجية، وأسطورة أوديب بطبيعتها السيكولوجية، ويستخدم أسطورة (الوليمة الطوطمية/ مقتل الأب والتهامه) لتفسير منشأ الأخلاق الإنسانية بمضامينها الاجتماعية والتاريخية، ويُفسر من خلال (أسطورة أوديب/مقتل الأب ونكاح المحارم) نشأة الأنا الأعلى (الضمير) والقيم الأخلاقية سيكولوجياً، ويستفيد من تجانس الدلالات الرمزية للأسطورتين للخطيئة الأولى (قتل الأب) ولعنة (نكاح المحارم) في تفسير ولادة القيم، ونشأة الأخلاق، والضمير الأخلاقي.

الوليمة الطوطمية
حَكَمَ أبٌ قويٌ الجماعة البدائية، واستأثر بكل النساء، وفرض التحريم الجنسي الصارم على ذكور الجماعةكلهم بما فيهم أبنائه  ونتيجة للقمع وكبت ميول الأبناء الجنسية، ثار الأبناء على أبيهم وقتلوه، فأحسوا بالندم، وحتى يحافظوا على الأب في داخلهم التهموه، ثم دبت الفوضى ونشب الصراع بينهم على تركته، فاقتتل الأخوة في غياب سلطة الأب وهيبته وانهيار النظام الأبوي.
يُفكك فرويد هذه الأسطورة سيكولوجياً، فيرى أن الأبناء ناصبوا الأب المتسلط الكراهية والعداء نتيجة الحرمان الجنسي الذي فرضه عليهم، ودانوا له في ذات الوقت بالحب والولاء والإعجاب لأنه النموذج والقدوة التي يطمحون ليصبحوا مثلها، لذلك شعروا بالندم والألم عندما أنهوا وجوده نهاية مأساوية بقتله، فمارسوا طقوساً طوطمية تكريماً له ليكفروا عن إحساسهم بالإثم العظيم، وصاغوا نظاماً مقدساً، حرموا بموجبه على أنفسهم ما كان الأب حرّمه عليهم، فظهر التحريم، والمقدس، والقانون، وتأسست العادات والتقاليد والأعراف لتأصيل كل ذلك، وعرف البشر القيم والنظم الأخلاقية، واختاروا طوطماً (حيوان أو طير) يرمز لروح الأب، قدسوه لدرجة التحريم، فهو تابو القبيلة المقدس الذي لا يجوز قتله أو صيده أو أكله؛ مع بعض الاستثناءات تمارس فيها العشيرة طقوساً إباحية، يستباح فيها الطوطم المقدّس في مناسبات احتفالية، حيث يُنتهك ويؤكل لحمه المحرم في سياق وظيفي تفرضه طبيعة الحياة وشروطها القاسية.
ويحاول فرويد عبر التحليل العلمي استكشاف الطاقة الرمزية في الخطيئة الأصلية (القتل) والوليمة الطوطمية (أكل الأب) المتحولة إلى هاجس وجودي يقض مضاجع الابن في سعيه للتحرر من التبعات الأخلاقية لهذه الخطيئة والتكفير عنها؛ حيث يرى أن قتل الأب وأكله أسس لحالة تناقض وجداني؛ حين أحس الأبناء القتلة بالذنب الذي تحول لعذاب ضمير، ثم لطقوس اتخذت مع الزمن طابعاً مقدساً، وتحولت إلى أنظمة أخلاقية تحوّل فيها الطوطم الأبوي إلى مقدس ديني، حتى أسس هذا المقدس لاحقاً للعرف، والقانون، والأنا الأعلى الأخلاقي في المجتمع.
ماذا نجد من أوجه التشابه بين الجماعة البدائية، وثورة 25 يناير؟
يمثل النظام السياسي المصري القديم المعادل الموضوعي للأب الذي استأثر بالسلطة والثروة، ومارس القمع والتحريم لمنع كل الجماعة من الاستمتاع بحقوقهم الطبيعية في المشاركة في الثروة والسلطة، والذي صنع (طوطم الرئيس) طوال عقود طويلة، ليشعر شعبه بعقدة الذنب تجاه التعرض له أو إيذائه، ويصبح الشعب في المقابل (وبالذات الأجيال الشابة) معادلاً موضوعياً للابن الراغب في التحرر من السلطة الأبوية، والحصول على حقوقه الطبيعية في الثروة والسلطة، ومن ثم تكون الثورة هي قتل الأب، وتساوي نفسياً في العقل الجمعي للثوار (الخطيئة الأصلية) التي تستلزم طقوساً موازية لها للتكفير عنها.
لقد قرر الأبناء في التراجيديا الإنسانية البدائية التنازل عن إشباع ميولهم الغريزية لصالح النظام الاجتماعي، لتشكيل مجتمع متحضر أساسه النظام والعدالة والقانون والقيم الأخلاقية؛ لأن الحضارة تقوم على مباديء الإيثار وإنكار الذات وتنظيم الاشباع الغريزي تنظيماً أخلاقياً في أطر فلسفية، تُراعي مبادئ العدالة والحق والخير والجمال، فهل تحقق ذلك في ثورة 25 يناير؟ على الأقل حتى تاريخ كتابة هذه السطور؟
لقد تحقق نموذج معادل لـ(قتل الأب) بإسقاط الرئيس بفعل الثورة، لكن تكونت عقدة (الخطيئةالأصلية) لدى قطاع مهم من الشعب، فطفت على السطح أفكار ندم، تنحو نحو التنازل عن إشباع الميول الطبيعية للعدل والحرية لصالح النظام السياسي الذي لم يتبدل منه سوى رأسه فقط.
إن شعباً بحجم الشعب المصري من الطبيعي أن يضم في أعطافه العديد من التوجهات التي لابد وأن يتماهى بعضها مع نظام الرئيس السابق من مطلق وحدة المصالح والأهداف، فإذا ميز النظام السابق الفساد، فلابد أن يكون هناك مستفيدين من هذا الفساد، ومن مصلحتهم الدفاع عن هذا الفساد ورموزه ونظامه الذي مازال حياً عفياً، يساهم في تنمية الشعور بالأثم، مُستخدماً تراثاً من الأعراف والتقاليد الاجتماعية والعقائدية، تبجل الجذور لدرجة تقترب من التقديس (هل يمكن رصد عدد أضرحة الأولياء في مصر؟) فماذا نفعل؟
لقد عرفت كافة الثورات في تاريخ البشرية (الثورة المضادة) وتعمل (الآن) الثورة المضادة في مصر على قدم وساق ومنذ اللحظة الأولى لإجهاض نتائج تمرد الشعب على القمع والاستبداد، وليست سخرية بعض عناصر النظام ورموزه من المتظاهرين، وهجوم قطاع لا يستهان به من الإعلاميين، والفنانين، والرياضيين على الثورة إلا تعبير عن مصالح مرتبطة بالنظام، ومناقضة للثورة في أبسط تجلياتها وهي البحث عن العدل، والحرية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد لأنهم بكل بساطة مستفيدين من هذا النظام بكل تجلياته.
ويلعب النظام، والعديد من الرموز الرجعية على هذا الميراث الأنثروبولوجي بتجلياته العُرفية المصرية، وميراث العادات والتقاليد في تبجيل وتكريم الكبير لتكوين الشعور بإثم الخطيئة الأصلية لدى الجموع، وتنمية الشعور بهذا الجرم عند الشعب عامة والثوار على وجه الخصوص.
لذلك يجب أن تتحرر قوى النضال من عقدة الأب الفرويدي، فقد دفعت ثمن الثورة كاملاً من دم الشهداء الذين قتلهم النظام بالمئات في دم بارد وبلا أي شعور إنساني، وليسوا الثوار هم أصحاب الخطيئة الأصلية، فلم يكن النظام أباً للشعب كما أوحى، ولم يقتل الابن أباه، ولكن هناك شعب قرر أن يتحرر من ظلم حكامه، ونجح في التخلص من رأس الحكم؛ لكن مازال الجسد مثل (ميدوزا) الإغريقية يتحرك بالعديد من الرؤوس الأخرى.
إن الرئيس لم يكن يوماً الأب، ولا يصلح نموذجاً، وليس له على الشعب الذي أذله ثلاثين عاماً أي دين، بل يداينه الشعب بأكثر من الكثير على المستويات المادية والمعنوية، وإذا كان الشعب قد ثار عليه، فهو لم يثر على الأب؛ بل على الحاكم الظالم الفاسد، وليس الشعب هو الأبناء القتلة، بل هو الأمة الذين ظُلمت، وقُمعت، واستُلبت منها كرامتها وثروات الوطن، وحقها في العيش الكريم.
إن الشعب هو البطل المطالب بقطع كل رؤوس الوحش، حتى يصل إلى جائزته الكبرى... الحرية، والعدل، والمساواة... في مجتمع خال من الحكم الأبوي، ويجب عليه أن يعي جيداً أنه شعب ثائر عظيم، وألا يشعر بالذنب تجاه جيل الآباء (وأنا واحد منهم) لأنه لم يرتكب خطيئة من الأصل؛ بل بحث عن حريته.
يجب أن يُدرك الشعب المصري وثواره على وجه التحديد أن النضال قد بدأ لكن السير طويل، ومطلوب جهد وافر لاسترداد كافة الحقوق المعنوية والمادية التي استلبها أعداء الشعب وخصومه منه؛ حيث لا يجب أن يحصل كل من أساء للأمة المصرية على أي جائزة أو عفو، أو أن يتمكن من الإفلات بغنيمة، ليس من منطلق الثأر؛ بل بحثاً عن العدالة والحق، وصُنع نموذج للمحاسبة، يَجعَل كل من يفكر في خيانة هذا الشعب، يُفكر عشرات المرات قبل أن يجرؤ على فعل الخيانة.

الجمعة، 11 فبراير 2011

اتجاه المصريون للثورة والتمرد على الظلم














2020



























2000



























1980



























1960



























1940



























1920



























1900



























1880



























1860



























1840



























1820















      











1800



























1780
الحملة الفرنسية
تولية محمد علي
الثورة العرابية
ثورة 19
حريق القاهرة
ثورة 52
حركة 54
مظاهرات ومحاكمات الطيران
مظاهرات الجامعة
مظاهرات الخبز
اغتيال السادات
حركات شعبية
25 يناير

1798
1805
1919
1952
1952
1954
1968
1972
1977
1981
1990
2011

إن الاعتقاد بسكونية واستسلام الشعب المصري هو اعتقاد خاطيء ومتجاوز لحقائق التاريخ الثابتة