السبت، 28 يناير 2012

الحسبة

مفهوم الحسبة:
يعتمد مبدأي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في فكر الإسلام السياسي المعاصر على إنكار الجديد في الحياة باعتباره ابتداعاُ استناداً إلى مفهوم يستمدونه من القول "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" ارتكازاً على رواية العرباض بن سارية عن الرسول r "وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" أخرجه أبو داود (4067) وحديث جابر بن عبد الله عن النبي r حيث قال في خطبته "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" أخرجه بهذا اللفظ النسائي في سننه (3/188) والحديث الشريف الذي رواه البخاري عن عمرانَ بنِ حُصَينٍ رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ r "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمرانُ: لا أدري أذكر النبيُّ r بعدُ قرنينِ أو ثلاثةً، وقول النبيُّ r إنَّ بعدَكُم قوماً يخونون ولا يُؤْتَمنونَ، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون، ويَنْذِرونَ ولا يِفونَ، ويَظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ".

ويختلف تفسير هذه الأحاديث ومفهومها في الفكر الديني ذاته؛ حيث يرى قطاع كبير من علماء الدين الإسلامي أن المقصود بالابتداع هو ما يضيف أو يُنقص من أعمدة الإسلام الخمسة، أو الشعائر والممارسات المتعلقة بها، ويشترط لوقوع البدعة قيودًا ثلاثة لا تكونَ إلا بتوفرها، وهي: (الإحداث؛ وأن يضاف هذا الإحداث إلى أصل من أصول الدين؛ وألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي؛ بطريق خاص أو عام.)

تجعل هذه القيود الثلاثة كل ما يُستحدث من أمور دنيوية، وممارسات سلوكية مهما كانت -ما دامت غير ذات صلة بأعمدة الدين- غير ذات صلة بمفهوم الابتداع أو الإحداث، ويمكن بناءً على ذلك تعريف البدعة بأنها ما أُحدث في دين الله، دون أصل عام أو خاص يدل عليه، أو (ما أُحدث في الدين بغير دليل.)

يقول الإمام الشافعي t"المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ وهذه مُحدثة غير مذمومة."

ويستند المفسرون في ذلك على رواية عن أبي عمرو جرير بن عبد الله t قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله r فجاءه قوم عراة مجتابي النمار، أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر؛ فتمعر وجه رسول الله r لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ- إلى آخر الآية- إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1) والآية الأخرى التي في آخر الحشر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر:18) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة" فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله r يتهلل كأنه مذهبة؛ فقال رسول الله r "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء." رواه مسلم (246).

ويستند المفسرون أيضاً في ذلك على حديث آخر للرسول r رواه أحمد في المسند يقول فيه r "مثل أمتي كمثل الغَيْثِ، لا يُدري أوله خَيْرٌ أو آخره."

لذلك فإن الاستخدام الحادث لمفهوم الابتداع، والذي تستند إليه أفكار الداعين لأنشطة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) استناد غير صحيح وغير شرعي، ولو حاولوا قراءة تاريخ جماعة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) السعودية، وكيف أن هذه الجماعة هي التي أخرجت جهيمان العتيبي الذي احتل الحرم، وهي الحاضنة التي نشأ في أحضانها أسامة بن لادن وصنعت أفكاره، لعرفوا أي منقلب سوء ينقلبون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق