الأحد، 1 يناير 2012

مأزق الدولة المصرية المعاصرة


مأزق الدولة المصرية المعاصرة

من لا يخاف رب عمر... يخشى درة عمر



بقلم أحمد إبراهيم أحمد



تعلمنا أن الثورات يصنعها الأبطال والنبلاء، ويرثها السفلة والأوغاد، ومن البين أن السفلة والأوغاد يعملون بجهد ودأب لسرقة ثورة المصريين أو إجهاضها، وما يتعرض له المجتمع المصري الآن من ضغوط بإشعاره بافتقاد الأمن سواء بتراخي الجهاز الأمني، أو اختلاق وافتعال أحداث مريبة تساهم في بلبلة أفكار ومشاعر المواطن العادي، وتجعله فاقداً لشعوره بالأمن في بيئته الطبيعية، سواء بأحداث البلطجة، أو الفتن العقائدية الطائفية، أو المطالبات الفئوية التي غادرت منطق الزمان والمكان والوطنية، أو إتلاف وسرقة تراث الأمة.

وليس الهدف من كل تلك الأحداث إلا تدجين الناس، وإقناعهم (بضرر الثورة) والحقيقة أن ذلك لا يؤدي إلا لهز هيبة الدولة سواء كان ذلك قصداً أو عن غير قصد، وليس من حل إلا بعودة هيبة الدولة بسلطة القانون والنظام.

ولن تعود الدولة وهيبتها إلا بنفي خبث المؤسسة الحكومية، وتكوين سلطة قضائية شديدة النزاهة، وجهاز أمن وطني ملتزم بمهامه الأمنية وغير متجاوز، ويدرك أنه يعمل في خدمة القانون من أجل تنفيذه إحقاقاً للحقوق، وليس لهذا الجهاز الأمني سيدٌ إلا هذا القانون.

كما أن عودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، وانتقال جهود عملها إلى الحدود خارج المدن لحماية حدود الوطن هو ضرورة أمن وأمان واستقرار؛ سواءً للمجتمع المدني الذي ضج من حكم العسكر، أو للمؤسسة العسكرية التي تمارس عملاً يشكل خطراً داهماً عليها، وعلى عقيدتها القتالية، وعلاقتها بالشعب الموكل بها حمايته.

وعلينا أن نقر أن المصريين أنفسهم بمختلف طوائفهم (مع فلول النظام القديم، والإسلاميين والمؤامرات الخارجية) مسئولين عما يحدث، فهم يثبتون مع كل أزمة أنهم لا يستطيعون قبول الآخر، وكأنهم يصرخون بأعلى صوت "نحن شعب لا يقبل المختلف معه في الفكر" لذلك فإن سلطة الدولة وهيبتها ضرورتان لتكون هناك دولة تحكم، وشعب يعمل، وليست هيبة الدول بعنف الأمن الداخلي، أو تسلط القوات المسلحة وشرطتها العسكرية، ولكن بدولة قانون لا يحكمه فساد من أي نوع – خاصة - وقد ثبت فشل المعالجة الإعلامية التي دفعت المصريين بمختلف طوائفهم للبحث عن المادة الإعلامية غير المصرية؛ بعيداً عن كذب الإعلاميين الهواة غير المثقفين، ومحدودي الفهم للمسألة الوطنية، والسائرون وقع الحافر على حافر من سبقهم من إعلامي النظم السابقة.

لقد سبق وفشلت المعالجة الأمنية الصرف، فأصبح الحل الوحيد المتاح للأزمة المصرية الحالية هو سيادة القانون، وتطبيقه على الجميع دون استثناء طائفي أو (عُرفي) وتقديم المسئولين الحقيقيين للمحاكمة سواءً كانوا شيوخاً، أو كهنة، قضاة، أو ضباطاً، وربما بلطجية، ووضع تصور علمي مبني على أسس ثقافية حقيقة لمجتمع مصري معاصر، يستمد آليات وجوده من إنجازات العلوم الطبيعية، والإنسانية وليس من بطون الكتب الصفراء التي عفي عليها الزمان، وأكل عليها الدهر وشرب، أو مفاهيم سلطوية خربة تشكلت في زمن ساد فيه العداء للمعرفة ودكتاتورية الرأي كما السلطة.

إن فورة الأحداث الأخيرة بين جماهير مصرية (مهما اختلفنا حول تصنيفها) وبين العسكريين وقبلها مع قوى الأمن الداخلي، ومع الأحداث الطائفية، والمطالبات الفئوية، تؤكد أن التعامل الأمني العنيف الذي يعقبه اعتذارات لا معنى ولا مغزى جاد لها، تؤكد أن هذا التعامل الأمني ليس إلا نوعاً من أنواع المخاتلة السياسية، خاصة مع ما يصاحبه من كذب إعلامي مفضوح، وتمسح داعر مكشوف لتيار فكري صاعد انتخابياً، يؤكد ذلك افتقاد كافة القيادات العسكرية والسياسية المصرية الحالية لقراءة ثقافية للواقع المصري، وأن التعامل مع الأزمة وإدارتها يتم بآليات تقليدية، وردود أفعال وليس تخطيطاً علمياً منزهاً عن الهوى.

إن إعادة هيكلة الدولة المصرية الحديثة يجب أن يخضع للمعايير العلمية المؤسسة لمنظومة الدولة، وليس لهوى أية جماعة سياسية كانت أو غير سياسية، ويجب أن يظل الوطن بديلاً للوطن، ولا تصبح الكنيسة أو المسجد هما البديل.

ولا يجب اعتبار صعود تيار الإسلام السياسي لواجهة العمل العام إنذاراً للقوى الأخرى بإخلاء الساحة؛ بل على الجميع أن يعلم أن الدولة كمؤسسة جامعة لا تخضع إلا لقواعد تأسيس الدولة، وأن انفراد تيار سياسي بتصور الدولة في إطار منظومته الثقافية أو القيمية هو نفي لذاته قبل أن يكون نفياً لأية قوى معارضة لتصوره.

إن الأساس الذي تقوم عليه الدول هو عقد اجتماعي يضمن للأقلية ذات حقوق الأغلبية، ويعتمد على قواعد مادية صرف ينظمها القانون، ويضمن بها حداً معروفاً من الحريات في إطار نظام عام يحترمه الجميع؛ إذ ستعوق الاضطرابات عمل أية مؤسسة قيادية مهما كان نوعها أو هدفها، وستفقد قدرتها على الإنجاز في غياب سلطة القانون، والأمن المستقر.. وهنا تحضر مقولة رجل قل نظيره في تاريخ البشر " من لا يخاف رب عمر... يخشى درة عمر" فالقانون هو السيد الذي أمسك بدرة عمر.

لذلك فلابد من مواجهة الفساد المنسوب لمؤسسات القانون على مختلف مستوياتها، وتنقية أجواء محاريب العدالة من القضاء المشبوه والفاسد، وتحرير سلطة الأمن الداخلي من قيوم المفاهيم الضالة والمضلة التي زرعها نظام أمني فاسد خلال عقود، والتأسيس لتربية قانونية وأمنية جديدة في هذين الجناحين من أجنحة أية دولة عصرية .. القضاء، والأمن الداخلي.

إن السلطة مهما كانت صارمة أو قوية أو حتى ديكتاتورية، تظل سلطة عاجزة عن قيادة مجتمعها في الاتجاه الصحيح ما لم يحكمها القانون الذي يجب أن تخضع هي له كما يخضع بقية أفراد ومؤسسات وعناصر المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق