الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013


 أسطورة الخلق المصرية

حكاية أون...

تبدأ الحكاية في مدينة أون  (هليوبوليس) معقل عبادة  إله الشمس رع، حيث نون هو البدء (يترجمه البعض الخواء) وقتما كانت الفوضى العارمة في البدء تعُمّ الأرض، ويعانق الظلام سطح الماء، ثم انبثقت زنبقة ماء من اللج، وانتشرت رائحتها العطرة النفاذة على سطح الماء، وتفتحت تويجات الزنبقة ببطء ليظهر الإله الطفل جالساً في قلبها... ولد رع من نون... ونون كتلة تكمن بداخلها بذور الحياة لم تتشكل بعد، ويشعّ من جسد الطفل الإله رع - منبع كل حياة إله الشمس-  نور يبدد الظلام الدامس، وكان إله الشمس يغمض عينيه كي يحمي ضياءه من الانطفاء، ويحيط نفسه بزنابق الماء متلفعاً بتويجاتها التي تُغلقُها نهاية كل نهار، فتسود الفوضى طوال الليل حتى يعود رع  ينشر ضياه على الوجود، ويتوارى نون بعد أن ينجب رع عند حدود العالم الحسي، ويصبح مقرأً دائماً لمن ولدوا موتى، ومن ماتوا ولم يحظوا بطقوس دينية مناسبة، وللنفوس الضالة المعذبة، مكوناً طاقة هائلة تهدد باجتياح العالم.

يرسل رع بعد توليته نفسه حاكماً للكون أشعته الذهبية للأرض، فتنحسر الأمواج التي تغطيها، ويتجسد نور الشمس على أول تل رمال يظهر على سطح الأرض، مُكوناً حجراً مرتفعاً في مدينة أون عُرف باسم (بن بن) أصبح بعد ذلك مزاراً مقدساً تبجله مصر كلها، وكان نور الشمس هذا يحمل مادة رع الإلهية التي اتحدت مع نفسها لتنجب الجيل الثاني من الآلهة.

تكون الجيل الثاني من زوجين من الآلهة (شو رب الجفاف، وتفنوت ربة الرطوبة)  عندما عطس الإله آتوم الهواء، ومن اتحاد الجفاف والرطوبة نتج الجيل الثالث، زوجان آخران (جب رب الأرض، ونوت ربة السماء) ورزقا بأربعة أولاد مكونين الجيل الرابع وهم أوزوريس، وإيزيس، وست، ونفتيس.

أتى ذكر أسطورة إيزيس وأوزوريس أول مرة في نصوص الأهرام أولى النصوص الجنائزية التي ظهرت على جدران غُرَف الدفن بالأهرامات والتي يعود تاريخها لنهاية الأسرة الحاكمة الخامسة في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد.

تحتوى هذه النصوص على تعويذات متفاوتة، ومفاهيم يرجع تاريخها إلى عهود قديمة، ونصوص عن الحياة الآخرة للملوك المدفونين بالأهرامات، وتشير إلى أسطورة إيزيس وأوزوريس المتعمقة في نظام الملكية والحياة الآخرة، وتضم عناصر قصة موت وإحياء أوزوريس، والصراع بين حورس وست، وتتكرر عناصر الأسطورة الموجودة في نصوص الأهرام في نصوص جنائزية أحدث مثل في توابيت ترجع للدولة الوسطى (2055 - 1650 ق.م) وكتاب الموتى في الدولة الحديثة (1550 - 1070 ق.م) وتوجد القصة الأكثر اكتمالاً في نقش (ترانيم أوزوريس العظيمة) من الأسرة الثامنة عشرة (1550-1292 ق.م) حيث يروي النقش القصة كاملة باختصار.

وتعتبر مسرحية منف الموجودة على حجر شباكا من المصادر الأسطورة المهمة، وتتضمن حكاية موت أوزوريس وإلام انتهى الصراع بين حورس وست، وتربط نظام الملكية الذي يمثله أوزوريس وحورس، بالإله بتاح خالق منف،ويعتقد بعض الآثاريين أن هذه المسرحية ترجع للدولة القديمة (2686 - 2181 ق.م) لكن استنتج علماء المصريات في سبعينيات القرن العشرين أنها تعود للدولة الحديثة.

ظهر الشر على الأرض مع الجيل الرابع من الآلهة بغيرة ست من أخيه أوزوريس بعد إعلانه ملكاً على مصر، حيث يغتاله ست، ويمزق جسده، ويفرق أشلائه على مقاطعات مصر كلها.

تبدأ إيزيس رحلة الوفاء بمساعدة أختها نفتيس لتجميع أشلاء زوجها الحبيب أوزوريس حتى تصل في رحلتها إلى جبيل  لبنان حيث حملت مياه النيل جزءاً من زوجها للبحر الذي حمله لهناك، وتنجح إيزيس في جمع أشلاء أوزوريس، ويساعدها أنوبيس رب التحنيط وحارس العالم الآخر مع نفتيس  في تحنيط زوجها، ويعيدالإله  رع الحياة لأوزوريس يوماً واحداً، لتنجب منه إيزيس حورس الصقر، وتخبئه في الدلتا تحت رعاية الإلهة حتحور (البقرة المرضعة) ليشب، وتبدأ الحرب بينه وبين عمه ست، وينتصر حورس، وتُنصب محاكمة عادلة برئاسة الإله جب (الجد) يحصل حورس بموجب حكمها على ملك مصر، وينصب أوزوريس حاكماً لعالم الموتى.
      فقد الإله رع إحدى عينيه، وأرسل ولديه شو وتفنوت للبحث عنها لكن لما طال غيابهما اتخذ لنفسه عيناً أخرى؛ لكن تعود العين الغائبة لتجد عيناً أخرى تحل محلها، فتذرف الدموع من شدة الحزن فيتولد عن دموعها البشر، ولكي يرضي رع عينه تلك يطلب من الإله الكاتب تحوت رفعها للسماء لتضيء الليل، فكان مولد القمر.
فقد حورس عينه اليسرى في حربه مع عمه ست، فمنحه الإله تحوت تلك العين لتصبح نموذج التكامل البدني الأسمى الذي اقتدى به المصريون القدماء، فصنعوا تمائم وقلادات ورسومات لتلك العين، ومازال المصريون المعاصرون يستخدمون عين تحوت لدفع الحسد حتى اليوم.

ذات يوما استيقظ الإله رع من النوم، فوجد ملامحه قد تغيرت بعدما كبر في العمر؛ مما جعل الآلهة الأخرى تسخر منه، وتقوم ثورة للبشر ضده، فيقرر الانتقام منهم جميعا ومحوهم من الوجود، فيرسل إليهم حتحور في هيئة وحش هائل افترس في يوم واحد كم كبير من البشر، لكن يشفق رع عليهم، ويطلب من حتحور أن تكف أعمال عن قتل البشر، فترفض، فيسكب الجعة طوال الليل على الأرض لتختلط بماء النيل فيصبح في لون الدم، فتنخدع حتحور وتشرب هذا الشراب حتى تثمل وتنام، وينجو البشر بعد أن خاب ظن رع فيهم، فيقرر الانسحاب إلى السماء ليستقر فوق بقرته السماوية التي يرفعها الإله شو، ويسلم الأرض للإلهة تحوت، ويعطي الرموز الملكية للإله جب، ويفصل بين البشر والآلهة فصلاً نهائياً، ويبدأ هنا حكم الملوك الفراعنة الذين اختارتهم الآلهة ممثلين عنها في الأرض، وشركاء في السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق