الجمعة، 15 نوفمبر 2013

اللغة العربية والخروج من التاريخ



اللغة العربية والخروج من التاريخ

 

(ليس باستطاعتي أن أدرس أيّ شيء في هذا الكون إلا على أنه نظام سيميولوجي)‏

تشارلز بيرس(1)

 

تواجه اللغة العربية تحدياً خطيراً لم يسبق لها مواجهته، نتيجة تطور العلوم البرمجية للحاسب الآلي، ونشأة شبكة المعلومات الدلالية The semantic web  بعد سيادة شبكة المعلومات النحوية The syntactic web  خلال العقدين الماضيين.

وهذا التطور لم يأت من فراغ بل كان نتيجة منطقية لتوسع دراسات اللغة خلال القرون الثلاثة الأخيرة مع زيادة المعارف وتطور العلم ونموها كماً وكيفاً، وزيادة الاحتكاك بين مختلف الثقافات والحضارات، وتطور المجتمعات بأنساقها الذهنية، والثقافية والحضارية، فزادت دراسات اللغة كماً وكيفاً، وتنوعت في مجالات جديدة عديدة، تداخلت فيها مع معارف وعلوم لها طبيعة مختلفة لوحظ أنها تؤثر في اللغة، وتتأثر بها، واتضحت صعوبة الفصل بينها وبين اللغة.

وقد أعطى تطور مفاهيم الدرس اللغوي للدارسين مساحة واسعة للدارسين للنظر إليها كمكون أساسي من مكونات المجتمعات الإنسانية، واكتشاف عناصر بناءها، وأبعادها الوظيفية المختلفة سواء كأداة اتصال، أو معرفة؛ إضافة للوظائف الاجتماعية، والنفسية، والروحية، ونتائج اللغة على التفكير والسلوك، وغير ذلك من وظائف تقوم بها اللغة سواء أدركها أصحابها أو لم يدركوها بشكل مغاير للمفاهيم التقليدية السائدة في العلوم اللغوية التقليدية.

وسعى اللغويون المعنيون بدراسة معاني الكلمات لابتكار نظرية عامة للمعاني في اللغة، وقدم النحو التوليدي التحويلي Transformational-Generative Grammar نموذجاً للقدرة اللغوية على إنتاج المعاني يتضمن نظاماً صوتياً Phonological ومكونات نحوية Syntactic  وإشارات دالة Semantics ولأن الكون بكل ما فيه من إشارات وعلامات ورموز  Semioticsً يُعتبر نظاماً ذا دلالة؛ وبما أن السيميولوجيا Semantics/ Semiology هي العلم الذي يدرس الإشارات الدالة  مهما كان نوعها وأصلها في بنيتها وعلاقاتها، كان اهتمام الثقافة الغربية بهذا العلم على مستويات متعددة، جاءت العلوم اللغوية في مقدمتها، وكانت عناية النحويين به، وأتي نعوم تشومسكيNoam Chomsky  المولود في عام 1928م في مقدمة هؤلاء النحويون، وطرح قناعته بأن هناك قوانين عامة تحكم كافة اللغات البشرية في الكون، فأحدث ثورة في دراسة اللغة بأسلوب مغاير للسائد، بربطه الدرس اللغوي المتخصص بعلوم لم ترتبط به من قبل؛ مثل الرياضيات، والإحصاء، والفلسفة، وعلم النفس وهو بذلك من رواد الدرس عبر التخصصي Interdisciplinary   خاصة في ربط العلوم البحتة بالعلوم الإنسانية، وقد أحدث كتابه الأول الصادر عام 1957م تحت عنوان البنية النحوية Syntactic Structure ثورة في علوم اللسانيات لما أسس منهجياً لنظرية النحو التحويلي التوليدي حتى أصبح مستحيلاً على أي مدرسة لغوية علمية تجاهل هذه النظرية سواء توافقت أو اختلفت معها،،وبعد ما أسس تشومسكي لهذه النظرية في هذا الكتاب، توالت معالجاته لها في معظم أعماله التالية، مُستنداً إلى تاريخ طويل من البحث العلمي اللغوي سبق إصدار هذا الكتاب بسنين طويلة.

ويُعرف تشومسكي النحو في كتابه سالف الذكر بأنه:

"جهاز من نوع خاص، صُمم لإنتاج الجمل في اللغة"

وجوهر هذه النظرية بناء النحو على أسس رياضية؛ بحيث تصبح القواعد النحوية أشبه بالقواعد الحسابية من حيث نظاميتها، ودقتها، ويصبح لدينا ما يعادل نحوياً المعادلات الرياضية، ويصبح النحو قادراً على توليدGenerate  جميع الجمل في اللغة عبر كل تركيب ممكن للكلمات.

ويلاحظ استعمال تعبير (جميع الجمل) والمقصود به (الجمل ذات الدلالة، والقابلة للتأويل) حيث أن التركيب اللغوي للكلمات، قادر على إنتاج تراكيب لفظية غير ذات دلالة، لذلك تستبعد نظرية النحو التوليدي التحويلي هذه التراكيب غير ذات الدلالة ، ولا تعتبرها لغة.

لذلك يجب أن تكون النظرية المؤسسة للقواعد النحوية، والشروط اللغوية في إطار هذا المفهوم واضحة وضوحاً لا لبس فيه بحيث تصبح القواعد النحوية معادلة للصبغ الجبرية، ويمكن بذلك صياغتها رقميا ًDigitally حتى تتحقق فاعلية اللغة.

تضاعفت أهمية الدرس اللساني الحديث بعد الثورة الرقمية في نهاية السبعينات الميلادية، ودخول علوم الحاسب الآلي شريكاً في كافة الأنشطة الإنسانية، وتنامي المعلومات بشكل هائل لم تعرفه البشرية من قبل، وتطور أوعية المعلومات وأهمها قواعد البيانات Data Bases وإتاحتها عبر الشبكة العنكبوتية في الإنترنت بأشكال متعددة، والبحوث المتواصلة لتيسير الوصول إليها، والاستفادة منها.

وتطورت أدوات ولغات عديدة للبرمجة في مختلف المجالات لتكون وسيطاً بين المستخدمين وأجهزة الحاسب، ومن بين هذه الأدوات واللغات (محركات البحث) حيث ساد في شبكة المعلومات الدلالية The semantic web  لغات برمجة أساسية لمحركات البحث مثل:

 شبكة المعلومات النحوية The syntactic web  خلال

 

المراجع References

 
(1) C. Peirce, Iettre to welby, ed. I. Clieb, New haven, 1953, p 32.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق