السبت، 4 أغسطس 2018


شيرين طلعت
والجميلات اللاتي لا يحببن القيام بثورة
بقلم: أخد إبراهيم أخمد
شيرين طلعت من الكاتبات الشابات اللاتي برزن في السنوات الأخيرة؛ وهي عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وفازت ببعض الجوائز الأدبية، وصدر لها كتاب واحد مع آخرين وخمس كتب منفردة من بينها المجموعة القصصية (الغرفة 20) التي تتناولها هذه القراءة بالدراسة.
جاءت المجموعة في مقاس A5 المعدل لمقاس 14x19.5سم مطبوعة على ورق أبيض كريمي؛ غير مصقول؛ مريح للعين من نشر دار إبداع للنشر والتوزيع والترجمة، وتتضمن عشرين نصاً سردياً هم(ميثاق شرف-أنغام-فوتوشوب-نوستالجيا-صناديق-شيط/لائكي-الثوب-أون لاين-قلوب فانيلا-العنكبوت-رائحة الحب-الخال-غرفة20-الحقيبة-في المقهى-ورقة شرعي-سايكو-GPS- أنفاس-على قائمة الاحتضار).
يتكون الغلاف من صورة فوتوغرافية لنافذة كبيرة تقف خلفها فتاة أنيقة، تُعطي ظهرها للمتلقي ووجهها للنافذة المغلقة المحاطة بستائر شفافة، واللوحة معالجة فنياً لصنع تكوين تشكيلي متقن من الألوان الساخنة التي تحيط بتكوين الفتاة التي يعادل لون ثوبها الأخضر المائل للون الفيروزي سخونة اللون البني الفاتح.
ويأتي عنوان المجموعة في الربع العلوي من اللوحة باللون الأبيض الذي يحده لون بني دان، واسم الكاتبة في الربع السفلي مع إسم دار النشر باللون الأسود، ويقع تصنيف المجموعة في دائرة بأقصى يمين وسط الغلاف.
ويعتبر الغلاف من الأغلفة المتزنة تشكيلياً، وملفت للانتباه وإن كان غير معبر عما توحي به المجموعة السردية؛ عدا صورة الفتاة واسم الكاتبة اللذان يوحيان بالطبيعة النسوية للمجموعة.
وصياغة أغلب لغة السرد جيدة، ويتميز بعضها بالرقي وجمال الصياغة رغم وجود بعض الأخطاء الإملائية والنحوية كما في قصة الثوب ص55 حيث ضمير الجملة يفترض أن يكون (يغرقنا) بينما جاء في النص "يغرقها" كما تساهم لغة بعض القصص المرتبكة في إرباك المتلقي كعنوان قصة (شيط/لائكي ص49) التي يصعب تفسير معناها، فكان لابد من وجود هامش لتفسير معناها، وتستخدم الكاتبة تقنية المونولوج الذاتي في بعض القصص مثل قصتي (غرفة 20-في المقهى) كما تصنع سرداً حلمياً في قصة (غرفة 20).
ويقع زمان السرد في كل قصص المجموعة في زمن طبيعي غير محدد (لا زمان) يُوحي في بعض القصص بعدم قيمة هذا الزمن؛ سواءً كان زمناً محدوداً كما هو في غالبية القصص، أو ممتداً كما في قصتي (الخال-الحقيبة) بحيث يصبح الزمن السردي توأماً ملتصقاً بالزمن الطبيعي للحكايات التي هي واقعية بامتياز.
تُضاف طبيعة المكان الذي هو تقريباً (لا مكان) في سبع قصص لطبيعة الزمان غير المحدد؛ بينما تقع أحداث خمس قصص في المنزل، وتتنوع بقية الأماكن بين مصيف، وشركة، وحضانة أطفال، ومقهى، ومستشفى عقلي، وأوتوبيس، وعيادة طبيب؛ بحيث يصبح المكان غير ذي تأثير في السرد إلا من حيث كونه مجرد خلفية مكانية للحكاية التي هي كما سبق القول حكاية واقعية.
وتتكون الشخصيات الفاعلة في كل قصة من قصص السرد من عدد محدود للغاية في كل قصة حيث لا يتجاوز الفردين في عدد كبير من قصص المجموعة التي يحكيها في الغالب (سارد ذاتي) يقدم الحكاية من وجهة نظره/نظرها وهذان الشخصان هما ذكر وأنثى في علاقة ملتبسة غالباً؛ حيث هما زوج وزوجة في قصص (ميثاق شرف-أون لاين-غرفة 20-ورقة شرعي-GPS- أنفاس- على قائمة الاحتضار) أو حبيب وحبيبة في قصص (أنغام-نوستالجيا) أو أستاذ أكاديمي وطالبته قصة (سايكو) أو غريب وغريبة في قصة (المقهى) بينما تتنوع الشخصيات الثانوية في السرد والتي هي شخصيات مؤثرة وفاعلة في الحبكة السردية فنجد شخصية الكاتب في قصة (فوتوشوب) معبرة عن زيف العلاقة بين من يفترض فيه الصدق كمبدع ومن يتلقى رسالته، وشخصية العشيقة في قصة (غرفة 20) التي تؤدي علاقتها بالزوج إلى جريمة قتل ترتكبها البطلة وتفقد عقلها نتيجة لذلك، وشخصية الخال الأفاق في قصة (الحقيبة) هذا الذي يعيد صياغة العلاقة بين الأختين من خلال فهمه العميق للعلاقات الاجتماعية، ودور إشباع الرغبات في تحطيم القيم.
وتصنع شيرين حبكة بسيطة في كل قصة من قصص مجموعتها، تتميز بوضوح فكرة الكاتبة تجاه موضوع، يثير شهيتها للتعبير.
ورغم تنوع موضوعات القصص إلا أنها كلها مكتوبة من موقف نسوي، يمكن اكتشاف أبعاده السيكولوجية، والعاطفية، وتأثير الواقع التاريخي الاجتماعي عليها بوضوح.
يتضح تأثير عقدة الكترا في قصة (ميثاق شرف) وتأثير سطوة الذكر التي لا تؤثر رغم قوتها في قدرة الأنثى على الانتقام؛ والتي لا يوقفها سوى يقظة ضمير البطلة التي هي طبيبة شابة، تتزوج من شيخ ثري نتيجة ضغط الواقع الاقتصادي الاجتماعي الذي ينتج عنه اختلال قيمي صارخ.
وتتغلب كبرياء الأنثى على مشاعر الحب في قصة (أنغام) التي تعرض لنذالة الحبيب نتيجة تأثير الواقع الاقتصادي كدافع للهجرة؛ التي تتجاوز ترك المكان لتصبح هجراً للحبيب وإفساداً للمشاعر.
وتبدو عقدة مركب النقص واضحةً في قصة (فوتوشوب) التي تتضح من خلالها خبرة الكاتبة بالعالم السيبروني، والتي تطرح من خلالها رغبة الأنثى في الحب، ووقوف شعورها بالدونية والقبح عائقاً دون تحقيق هذه الرغبة؛ لكن الكاتبة تتخذ موقفاً منحازاً للأنثى من خلال موقف الكاتب الذي تقيم معه البطلة علاقة سيبرونية، وهي في هذه القصة تتناص موضوعياً (وليس نصياً) مع توفيق الحكيم (عدو المرأة).
وتقدم لنا شيرين مونودراما أقرب للسينما الهندية في قصتها (صناديق) بالتنويع على عقدة أوديب المؤدية لعدم النضج العاطفي بسبب التربية الخاطئة؛ حيث تصف الكاتبة علاقة أب وأم بابنهما وتربيتهما لهة من جهة، وعلاقة الابن بزوجته من ناحية أخرى؛ هذه التربية التي تؤدي لتوريث سلوك الأب المرفوض من الأم لابنها والذي يعيد إنتاجه مع زوجته.
ويظهر سلوك التوحد مع الذات في قصة (شيط/لائكي) تاتي جاءت على هيئة مونولوج داخلي يقوم فيه السارد الذاتي بالتداعي السردي الناتج عن العزلة الاجتماعية المؤدية لتبلد العواطف الظاهري الذي يشكل حاجزاً دفاعياً نفسياً في مواجهة قسوة الواقع.
وتتشكل قصة (الثوب) من أسلوب سرد حكائي تقليدي بسيط لحفل زفاف، لا نعلم بتفاصيل زمانه أو مكانه، ينجح رغم ذلك في إظهار الفروق الناتجة عن الفرز الاجتماعي الناتج عن المؤثرات الاقتصادية، ورغبة البطلة في تحقيق الحب من خلال زواج تقليدي مبني على التطلع والتسلق.
وتدور أحداث قصة (أون لاين) في أسرة مكونة من زوج وزوجة وابن وابنة، لتحكي الهوس بالتقنية الذي يصيب الزوجة، لتعوض به حرمانها العاطفي، وكيف تؤثر التقنية والهوس بها على التركيبة الاجتماعية لأسرة بسيطة.
وتحكي قصة (قلوب فانيلا) -رغم ما يعيب لغتها من ارتباك التي تدور- أحداثاً تدور بلا مكان وشركة في زمن طبيعي... تحكي تأثير لون البشرة على المشاعر، وكيف يكون تأثير مركب النقص الناتج عن التمييز العنصري على نشأة وتكون العلاقة العاطفية.
وتعود شيرين في قصة (العنكبوت) لتؤكد رؤيتها عن أثر الاقتصاد في إفساد الحياة –خاصة العلاقة الزوجية- من خلال نص، يُذكرنا بأفلام هيتشكوك، ويقترب من السيكو دراما البوليسية، تدور أحداثه في عالم كفكاوي حيث تؤكد الكاتبة هذا التوجه بذكر الكاتبة كافكا في صفحة 71 ولا تنسى أن تستعين بأفكار غيبية وعقائدية، لتركيب الصورة السردية التي تتكشف في النهاية عن تآمر الأم مع المحامي الفاسد على الأب الزوج، لقتله لصالح الأبناء... بالضبط كما تفعل الأرملة السوداء بذكر العنكبوت بعد التلقيح.
وتقع قصة (رائحة الحب) في مكان محدد هو منزل وحضانة في زمن طبيعي بين أم وابناءها، لتقدم لنا حكاية رومانسية عن عاملة الحضانة الفقيرة التي يحكم سلوكها قيم واضحة، وكيف تواجه تمرد أطفالها على الفقر بقناعتها بقيامها بواجبها الأخلاقي رغم مشاعر الأمومة الضاغطة التي تجعلها تشعر بالعجز أمام احتياجات أطفالها ورغباتهم؛ لكن تقع القصة في الفخ الكيركجاردي الذي يوهم الفقراء أن فقرهم (كما هو غنى الأغنياء) قدر يجب عليهم الرضا به والقبول.
وتسرد لنا شيرين طلعت في قصة (الخال) حكاية القناعة بالميتافيزيقي غير المنطقي وكيف تكسو الوقائع هذا الواقع المزيف بكسوة من الوهم تجعله يكاد يكون حقيقة بلغة جيدة في زمن طبيعي ممتد في مقهى حيث ضياع المحبوب، يدفع للبحث عنه، ويميز هذه القصة الرؤية الواضحة للواقع الاقتصادي القاسي، وكيف يساهم الاقتصاد في تنمية الوهم بتحقيق المستحيل.
ويسيطر المونولوج الذاتي على قصة (غرفة 20) التي تدور أحداثها ما بين فلاش باك يدور في ذهن البطلة، وواقع المستشفى العقلي الذي تدور به أحداث القصة في زمن سرد قصير مثالي يحكي حكاية خيانة زوجية، تقود الزوجة للجنون بعد قتلها الزوج وعشيقته، وكيف أن الواقع الاقتصادي (مرة أخرى) يقود لقتل الحب والبشر وإفساد الحياة كما يقود للجنون.
وتعرض لنا قصة (الحقيبة) في لغة راقية وزمن واقعي ممتد، وأماكن محدودة بوجود الخال وابنتي شقيقته؛ خيانة الخال لأمانة الأخت المتوفية، وتنتهي بخيانة الأخت لأختها بتأثير الخال أيضاً، وبين الخيانتين تكشف الكاتبة دور الواقع الاقتصادي –خاصة الطمع والأنانية- في قتل الحب، وإفساد أقوى العلاقات... علاقة الأخوة.
وتدور أحداث قصة (في المقهى) في مقهى بين غريب وغريبة يبوح كل منهما للآخر في حالة (فضفضة) راقية عبارة عن مونولوج يكشف فيه البوح مرارة النفس التي تعاني من وجع الفقدـ وافتقاد الحب، والاحتياج للبوح للآخر الإنسان، وكيف تقوم العادات التي تسيطر على الوجدان الجمعي في فرض شروط لا إنسانية، تُفسد الحياة الإنسانية.
وتصوغ شيرين قصتها (ورقة شرعي) في لغة راقية لكنها للأسف لا تخلو من هنات، تحكي فيها حكاية علاقة زوجية فاسدة بين زوجة وزوجها وثلاث من بناتهن خلال أحداث الحياة العادية بمنزل الأسرة في زمن واقعي غير محدد، وتطرح فيها عقدة إنجاب الذكر؛ وكيف تؤدي العادات والتقاليد الاجتماعية الصارمة التي تُعلي من قيمة الذكورة إلى تدمير المشاعر وإفقاد الحب.
وتكاد قصة (سايكو) التي تدور أحداثها في زمن واقعي غير محدد ومكان طبيعي؛ أن تكون مذكرة تفسيرية للمثل السائر "إن كيدهن عظيم" حيث تعشق طالبة جامعية تعاني من مركب نقص، أستاذها من طرف واحد، وتحاول التعرض لهذا الأستاذ الذي يصدم مشاعرها فتقرر الانتقام منه، وتدبر حيلة خسيسة تنجح بها في تدمير هذا الأستاذ الذي جرح كبرياءها.
وتنحاز الكاتبة في قصتها (GPS) انحيازاً طبقياً واضحاً للطبقة البرجوازي، وتقول من خلال أحداث قصتها التي تدور في زمن طبيعي وأمكنة بسيطة هي الأوتوبيس والمنزل؛ أن التعاطف بين الطبقة البرجوازية والطبقات الأدنى محكوم عليه بالفشل حيث ستقوم الطبقة الدنيا باستغلال طيبة وسذاجة الطبقة الأعلى وسرقة مكتسباتهان حيث تحاول الزوجة التي تعيش حياة رتيبة تفتقد فيها مشاعر حب الزوج الخروج من قوقعتها الطبقية، والندماج في حياة مختلفة، وتركب الأوتوبيس، وتجلس بجانبها امرأة فقيرة يبدو عليها التعب والإرهاق فتتعاطف معها، ولكنها تكتشف بعد نزولها أنها ليست سوى لصة، قامت بسرقة حافظة أموالها.
وتحكي قصة (أنفاس) حكاية رومانسية ذات بعد سيكولوجي واضح في لغة راقية يحكي بها سارد خارجي في زمان وأمكنة واقعية غير محددة تماماً حكاية زوج ماتت زوجته في حادث سير، لم يؤدِ التحقيق فيه لنتيجة، فيعيش حالة ضياع تشبه تلك التي عاشها الهرمافرودايت بعدما فصلت الآلهة جزئيه الذكر عن الأنثى، حتى يلتقي بتلميذ بار من طلابه السابقين في محاولة منه للتخلص من الحياة... يتعرف عليه هذا الطالب، فيحكي له حين يعرف أنه يعمل وكيلاً للنائب العام، ويعده هذا ببعث القضية حتى يصل للفاعل، فيموت الزوج ميتة طبيعية بعدما اطمأن على حق زوجته.
تلامس قصة (على قائمة الاحتضار) علم الوراثة من خلال زوجة تعاني من مركب نقص ناتج عن إنجابها لفتاتين معاقتين، وحملها بعدهما وسعيها للتخلص من هذا الحمل رغم معرفتها أنه ذكر وأن الكرومسوم الحامل لصفة الإعاقة الوراثية هو كروموسوم متنح لا يصيب الذكور، ونرى تمزق الأم بين العاطفة الطبيعية الراغبة في الحياة، والخوف من الوصمة الاجتماعية حتى لو انجبت ذكراً صحيحاً سيعايره المجتمع بأختيه المعاقتين في إشارة واضحة لقسوة المجتمع.
استطاعت شيرين اقتناص لحظات فارقة، تتقمص أشخاصها مشاعر مركبة، وتمارس الفعل الحياتي الذي تصفه الكاتبة وصفاً واقعياً بدون غوص في تفاصيل لا ضرورة لها، وتقدم الشخصيات واقعة تحت ضغوط نفسية واجتماعية، يحركها الاقتصاد في أماكن وأزمنة طبيعية، يحكي حكاياتها إما سارد ذاتي، أو من الخارج وفي أحيان قليلة نجد المونولوج، ويكاد الحوار أن يختفي من صفحات المجموعة.
نحن أمام كاتبة تمتلك الكثير من الأدوات؛ لكنها بحاجة لتنمية خبرة ثقافية أكثر اتساعاً، ورؤية اجتماعية تؤمن بالعدل الاجتماعي، وتتجاوز وصف الظاهرة من الخارج بالغوص في أسبابها المختلفة، وتحليلها، وتغيير انحيازاتها الاجتماعية لانحياز أشد اهتماماً بالإنسان ككائن حي بغض النظر عن نوعه الاجتماعي أو الطبقي من خلال رؤية ثقافية بانورامية شاملة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق