السبت، 4 أغسطس 2018


هيباتيا السكندرية

هي ابنة ثيون آخر علماء الرياضيات المعروفين وزميلاً من زملاء متحف الإسكندرية (السيزاريوم) الذي يعتقد أنه كان جزءاً من مكتبة الإسكندرية القديمة أو ملاصقاً لها، وكان معلمها الذي سقاها محبة الرياضيات حتى أصبحت أول امرأة عرفها التاريخ كعالمة رياضيات، كانت فيلسوفة عاشت خلال الفترة من 350-415م تقريباً، وعملت بتدريس علم الفلك وفلسفة المدرسة الأفلاطونية المحدثة حسب المنهج الرياضي الأثيني، وتأثرت بفكر أفلوطين الذي فضّل المنطق والرياضيات على المعرفة التجريبية، وكان هدف أتباع أفلوطين حياة العقل التي تؤدي للاتحاد مع الإله بشكل صوفي، وعُرفت بدفاعها عن المنطق والفلسفة والشك، ومعارضتها للإيمان واليقين المجردين، وقال عنها المؤرخ الكنسي سقراط في كتابه (تاريخ الكنيسة):
"كان في الإسكندرية امرأة تدعى هيباتيا ابنة الفيلسوف ثيون بارعة في تحصيل كل العلوم ما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، فكانت تقدم تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية، خاصة فلسفة أفلاطون لمريديها الذين قدموا من كل المناطق؛ وإضافة لتواضعها الشديد، لم تكن تهوى الظهور أمام العامة؛ ورغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد سلوكها الواثق المتواضع المهيب الذي ميزها عمن سواها واكسبها احترام وتقدير الجميع ، وكان والي المدينة (اورستوس) في مقدمة هؤلاء الذين يكنون لها عظيم الاحترام."
أصبحت هيباتيا عميدة للمدرسة الأفلاطونية بعدما عادت من دراستها في أثينا وروما، وأصبحت أستاذة فلسفة، وعلّمت فلسفتَي أرسطو وأفلاطون على السواء طبقاً للموسوعة البيزنطية (سودا) الصادرة في القرن العاشر الميلادي، وكان من طلابها مسيحيين وأجانب، ورغم عدم وجود مصدر تاريخي يوضح دين هيباتيا؛ إلا أن الوثائق التاريخية أكدت أنها كانت محل تقدير وإعجاب تلامذتها المسيحيين، واعتبرها بعض المؤرخين المسيحيين مثل تلميذها السابق سينوسيوس الكورنثي (رمزًا للفضيلة) وهو الذي أصبح عام 410م أسقف تلومياس (ليبيا) وكان يتبادل مع هيباتيا المراسلات، وتعتبر الرسائل المتبادلة بينهما؛ هي وكتابات دامسكيوس؛ المصادر الوحيدة المتبقية عنها من طلابها.
أشيع أنها تزوجت الفيلسوف ايزودور السكندري غير أنها ظلت عذراء طوال حياتها، ويحكى أنها ردت أحد خطابها بإرسالها خرقة بها بقع من دمها لتقول له "لا يوجد شيء جميل" في الرغبات الجسدية.
سبب التفاف المثقفين حول الفيلسوفة هيباتيا حرجاً بالغاً للكنيسة وراعيها كيرلس الأول الذي ادرك خطورة هيباتيا على المسيحية، خاصة وأن اتباعها في المدينة يزدادون بصورة لافتة، إضافة لصداقتها بالوالي (أوريستوس) الذي كانت بينه وبين كيرلس الملقب بـ (عمود الدين) صراع سياسي حول السيطرة على المدينة؛ فقد كان أوريستوس يكن لهيباتيا تقديراً كبيراً، وقيل أنه كان تلميذاً لها، وزاد الأمر سوءاً أن دخل الأسقف في صراع مع يهود الإسكندرية، فسعي لإخراجهم منها، ونجح بمساعدة عدد من الرهبان، الذين شكلوا ما أُطلق عليه (جيش الكنيسة) ولم يكن باستطاعة الوالي (أوريستوس) التصدي لهذه الأفعال، وتعرض للإهانة من بعض الرهبان الذين قذفوه بالحجارة، بعدما علموا أنه أخبر الإمبراطور بالفوضى التي وقعت بالإسكندرية نتيجة اشتباك الرهبان مع اليهود، فتأزمت العلاقة بين الكنيسة والوالي المسيحي! وسرت شائعات أن العداء بين الوالي (أوريستوس) وكيرلس يعود سببه لتأثير هيباتيا على والي المدينة، وأن المدينة لن تعرف السلام إلا بالخلاص منها.
نتيجة لذلك؛ وبعدما عاشت هيباتيا حياتها في الإسكندرية، قتلها حشد من المسيحيين بعد اتهامها بالإلحاد والهرطقة وممارسة السحر وتكفيرها، كان مصرعها مأساوياً على يد جموع من الغوغاء الذين تتبعوها وهي راجعة لبيتها بعد إحدى ندواتها، فجروها من شعرها بعد نزع ملابسها عارية في شوارع الإسكندرية حتى تسلخ جلدها، ويعتقد أنهم سحلوها في الشارع المعروف الآن بشارع كنيسة الأقباط ثم في امتداد شارع النبي دانيال؛ حتي وصلوا بها إلي شاطئ البحر في محطة الرمل حيث يقع فندق سيسل الآن، واستخدموا أصداف البحر في سلخ جلدها، إمعاناً في تعذيبها إلى أن صارت جثة هامدة؛ ثم اشعلوا ناراً في كومة من الأخشاب القوها فيها، ويعتبر الكاتب والمؤرخ ستيفن غرين بلات أن مقتلها أدى إلى انحدار الحياة الفكرية السكندرية بشدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق