السبت، 4 أغسطس 2018


أبو القاسم بين حجري رحى الشك واليقين
قراءة في المجموعة القصصية (أم النور)
بقلم أحمد إبراهيم أحمد
جاءت مجموعة (أم النور) للدكتور أحمد أبو القاسم ضمن منشورات دار الحكمة في 84 صفحة من مقاس A5  المعدل لمقاس 14x 21 سم في غلاف أنيق يبرز تباين الألوان الحاد فيه التناقض بين سطوة الظلام وكفاح النور للتغلب عليها، وتضم المجموعة 24 نصاً سردياً منهم تسع قصص قصيرة جداً وخمسة عشر قصة قصيرة.
وتتناول هذه القراءة مجموعة (أم النور) كخطاب سردي وتحاول تأويله بتفكيكه وتحليل مكونات الخطاب المركزية كرسالة من راوٍ مرسل؛ لقارئ متلقٍ تشكل نسيج النص.
لغة الخطاب
تختلف صيغ الخطاب في المجموعة ما بين أشكال سردية عدة، فتأخذ شكل الرسائل المكتوبة بصيغة مباشرة بسيطة تعبر عن مشاعر الملكة العاشقة لحبيبها غير الملكي، بينما تتبي لغة الخطاب في القصص القصيرة جداً شكل الدفقات المجازية التي تقترب من الشعر المنثور.
ويستخدم الكاتب لغة علمية ككلمة (دالة) في قصة (قصاص ص60) بما تحمله من معنى رياضي، ومفردات اللغة الرقمية كما في قصة (نكزة ص21) ويستخدم أيضاً مصطلحات طبية وتعبيرات باللغة الإنجليزية لإبراز تأثير الفارق الاجتماعي كما في قصة (نفق ص 70،71،72) كما كتب حوارات عدة بلهجات محلية بيضاء موحية بثقافة البيئة دون الإغراق في التغريب.
وتختلف الصيغ المجازية في لغة أبي القاسم أحمد من تلك الساخرة كما في قصة (تحرش ص23) حيث تأخذ الصياغة رغم قصرها شكل سخرية سوداء تتحول إلى الكناية كما في قصة (زجاجية ص 18) في قوله "يحتفلون بالحب، ونذهب نحن لنغير ألواح قلوبنا" إلى غير ذلك من صيغ المجاز.
ورغم توجه الكاتب لقارئه بلغة سلسة إلا أنه عابها كثرة الأخطاء الإملائية والنحوية حيث لا تكاد تخلو صفحة من المجموعة من خطأ أو أكثر، وحتى خطأ كتابة أسماء مثل (لوسيفر) في قصة (فرينبك ص 75) التي جاءت (نوسفير) فأفسدت المعنى لمن لا يمكنه التنبوء بالاسم المقصود، ويرجع هذا لعدم وجود مراجعة لغوية قبل الطبع وهي سمة تغلب للأسف على غالبية الأعمال التي تنشرها دور نشر صغيرة؛ كما يعيب لغة الخطاب عدم الالتزام بطبيعة الجملة العربية التي هي فعلية لا يجوز تغيير تركيبتها إلا عند وجود سبب بلاغي يجعل بداية الجملة بالأسم أو الفعل أكثر جمالاً.
وتختلف أزمنة وأمكنة السرد من قصة لأخرى لكنها تتفق في القصص القصيرة جداً في وجود زمن غير محدد كما في (تحرش ص 23) وأحياناً تقع القصة في حيز لا زمني حيث تأخذ شكل الخاطرة أو الفورة الشعورية كما في (مزج أول ص 3) حيث يقول "ونظر... النظرة وقعت في العدم" بينما يمتزج الزمان والمكان في السرد حيث تأتي أزمنة سرد القصص القصيرة في زمن ومكان مرتبطين مثل قصة (قاصة ص 12) التي تدور أحداثها في زمنين منفصلين في إطار مكانين متصلين منفصلين، إذ يجمعهما إطار واحد هو رحاب الجامعة، أو كما في قصة (أم النور ص80) التي تدور أحداثها في زمن متتال في القرية ذاتها ما بين عيادة الطبيب وموقع ظهور العذراء بلا فاصل سردي بين الزمان والمكان.
وتتمحور الشخصيات في سرد أبي القاسم حول السارد العليم وشخصيات يدور حولها الحدث وهي شخصيات درامية في الغالب الأعم مثل الأستاذ الأكاديمي في قصة (قاصة) أو الطبيب في قصص (نكزة- شتاء – كريسماس – قصاص – نفق –فرينيك) والممرضة في قصة (أم النور) مما يوضح سيطرة مهنة الطب وآثارها المختلفة على وعي ولا وعي الكاتب.
وتتضمن أحداث القصص القصيرة حبكة درامية بسيطة، وتدور في أمكنة وأزمنة طبيعية مما يساهم في صنع حبكة متينة تميز قصص المجموعة الواقعية، بينما يطوف الخيال الفانتازي في عوالم التاريخ والروح في قصة (أوراق حتشبسوت الأخيرة ص28) ويصنع التخييل حبكة غاية في الإمتاع حين يضفي صفات ومشاعر البشر على الحيوانات في مهارة حتى يكشف هو طبيعة الأبطال في قصة (روكا ص41).
وتتضمن دلالات السرد وأبعاده عند أحمد أبي القاسم أبعاداً مختلفة لعل أبرزها البعد السيكولوجي الذي يتبدى واضحاً من القلق الذي يعانيه البطل الطبيب واغترابه في المجتمع نتيجة الإحباط المتتالي لعدم إشباع المجتمع لحقوقه كطبيب، ونتيجة اختلال النسق الاجتماعي لسيادة العادات والتقاليد التي تدفع الطبيب للتمزق بين خضوعه للواقع والقسم المهني كما في قصتي (قصاص، وأم النور) حيث يضطر في القصة الأولى لإجراء عملية ختان لطفلة تحت ضغط الحاجة المادية وسلطة الأب النائب، وفشله كطبيب في حل معضلة حمل الأخت العذراء من أخيها في القصة الثانية، مما يؤكد حضور الأبعاد الاجتماعية والتاريخية في وعي الكاتب، وإدراكه الواعي لدوره كطبيب ومثقف ومبدع في ذات الوقت، ويبدو البعد العاطفي واضحاً في انشغاله بقضايا المرأة في القصص القصية، والروحاني أكثر وضوحاً في القص القصير جداً وهما بعدان تمتزج فيهما الأفكار اليقينية ذات الروح الصوفي بالفكر العلمي، ويتضح الصراع في روح وعقل الكاتب وما بينهما من تناقض يهرب منه إلى الكتابة أو يعطي ظهره لأحد النقيضين ويمضي مع الآخر ليعود فيدور مرة أخرى في دائرة الصراع بين الشك واليقين حين يواجه المعضلات الإجتماعية ذات العمق الديني... إن أم النور مجموعة قصصية لكاتب واعد يؤكد أن شمس الإبداع قادرة أن تشرق من الجنوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق