السبت، 4 أغسطس 2018


المجاهـد بين وهم اليقين وصرامة الواقع
قراءة في رواية موجيتوس
بقلم: أحمد إبراهيم أحمد
مفتتح
لا يقين لمثلي... تركت كل شيء خلفي لأجد اليقين.
موجيتوس ص 32
اصرخ في اعماقي: الم يكن جديراً أن يُخلق كائنٌ أكثر نبلاً واقل تعاسة؟
موجيتوس ص 197
اغمضا اعينهما بهدوء بينما ملامحهما المجعدة تحكي عن سنوات ملتهبة، ضلت فيها الروح طريقها كثيراً إلى سكينتها المفقودة.
موجيتوس ص 269
تحليل الخطاب السردي
 تحلل هذه القراءة مكونات الخطاب السردي في رواية منير عتيبة (موجيتوس) وتحاول تأويله لإيضاح عناصره باعتباره جنساً من أجناس السرد ينتمي للكتابة الفنية التاريخية الفانتازية، وتبيان المفاهيم التي يحتويها، ووجهة نظر السارد، والرسالة التي اجهد الكاتب نفسه لتوصيلها للقارئ بهذا الشكل بمحاولة فك شفرة النص لكشف عناصره بمنهج معياري يستهدف تحليل الخطاب بالتعرف على: لغة الخطاب السردي في الرواية - العنوان كمفسر وعتبة دخول للنص - زمان السرد - مكان الأحداث - أشخاص الفعل السردي - متن الحكاية (الوقائع) – الحبكة - دلالات وأبعاد الحدث (البعد السيكولوجي- العاطفي - الاجتماعي والتاريخي).
وصف المطبوعة
طبعت مؤسسة حورس  الدولية للنشر والتوزيع رواية موجيتوس في 276 صفحة مقاس (A5) الـمُعدل لمقاس 21x14 وصنفت مكتبياً تحت بند القصص العربية القصيرة والرواية (رواية) مقسمة لفصول مفهرسة لكُلٍ عنوان مُستقل يراعي شروط النشر الطباعي للأقسام بشكل احترافي سليم.
الجنس الأدبي
جاءت المطبوعة على هيئة نص روائي، مُقسم لنصوص سردية عددها ثلاثة وعشرين فصلاً؛ منفصلة ومتفاوتة الطول؛ لكل منها عنوان مستقل؛ في جنس أدبي واضح دون خلل في تحديده كرواية.
الخطاب التاريخي
ليس هناك ما يؤكد أن أحداث الرواية مبنية على واقعة تاريخية حقيقية حيث لا إشارة مرجعية إلى حدث تاريخي حقيقي يوازي الحكاية السردية كما أن رحلة العشرين رجلاً انتهت مثلما بدأت بلا عائد، فمن كان مسيحياً وأسلم عاد للمسيحية (مثل مجاهد/موجيتوس الذي أسلم صغيراً ليعود نصرانياً مع هزيمة الحصن) حيث ميز الفترة التاريخية التي اختارها الكاتب انتقال المهزومين ومن يتبعهم بين المسيحية والإسلام طبقاً لعقيدة المنتصر، ولعل (الموريسك/الموريش - المغاربة المتنصرين) ابرز ما في هذه الظاهرة.
ورغم سيادة فرسان القديس يوحنا كقراصنة مباركين من الكنيسة، انطلقت سفنهم من جزيرة مالطة التي تقع في المركز الجغرافي لأحداث الرواية في نفس الفترة التاريخية؛ إلا أن العمل تجاهل تاريخهم الدموي المثير وما فيه من احتمالات درامية؛ مما يوحي بأن هدف الكاتب لم يكن كتابة رواية تاريخية؛ بل اختيار التاريخ كخلفية لسرد يطرح أسئلة وجودية ودينية وفلسفية متداخلة، بحثاً عن إجابات، بدت في نهاية العمل السردي أقرب لأسئلة تبحث عن إجابات أكثر منها إجابات.
لغة الخطاب السردي
استخدم منير عتيبة لغة في كتابة نصه السردي لغة فصيحة صحيحة راقية تقل فيها الأخطاء الإملائية والنحوية بدرجة كبيرة... يميزها عناية بعلامات الترقيم لا بأس بها، وتخلو من التناص مع النص المقدس، أو الاقتباس من النصوص التاريخية؛ رغم غواية زمن السرد ومكانه اللذان يوحيان بالكثير من الاقتباسات في كثير من المواقع
ولا يستخدم الكاتب صور المجاز المختلفة في التصوير اللغوي، واعتمد في سرده على لغة واضحة سهلة المفردات رغم صرامتها اللغوية، ويبلغ الأداء السردي واللغوي مستوى راق من الأداء يصل به حد الشعرية في فصل عيسى بن أحمد ص 143 حيث يلتقي الأداء اللغوي مع إيقاع سردي سريع، وبوح إنساني يبحث عن خلاص الروح، يكتب عتيبة في صفحتي 144/145:
-         تبحث عن هلاكك يا عبد الرحمن.
-         بل أحاول أن أكسر الحجارة الصلدة التي أصبحت تجثم على روحي، وتضيق مساحة الحياة التي اتحرك فيها يا عيسى.
-         بأن تسعى إلى حتفك؟
-         بأن التقي الموت الذي لا مفر منه، التقيه وجهاً لوجه؛ إما أن ينتصر عليّ، أو اكتشف للحياة معنى لم اعرفه من قبل، يجعل لها قيمة تستحق أن تعاش من أجله.
واعتمد الكاتب تقنية تعدد الأصوات السردية فجعل كل شخصية محورية تحكي ما جرى لها من أحداث، وتسرد بنفسها حكايتها وأحلامها وتاريخها الشخصي وصولاً إلى ما جمعها مع الآخرين مما جعل القارئ أمام روايات مستقلة للحدث الواحد، تتفق وتختلف وتتقاطع في رواية الأحداث، وتبرر الخلافات من وجهات نظر متعددة حيث لكل شخصية سردية حكاية تعكس وجهة نظر ذاتية تختلف عن غيرها (تحضرني هنا رواية الرجل الذي فقد ظله لفتحي غانم التي قدمت واحدة من أرقى الأعمال التي استخدمت هذه التقنية).
ورغم صرامة الكاتب في صياغته اللغوية والبناء الهندسي الواضح للسرد يقع في أخطاء بنائية في فصل (الرجل رقم عشرين) حيث يرتبك السرد نتيجة تغير السارد بدون إشارة ما عدا سطر فارغ قد لا يلاحظه غالبية القراء؛ حيث يبدأ مجاهد السرد الذي ينتقل ليوسف والطماشكة في صفحة 24 ليعود السارد في ص 27بالأحداث للماضي Flash back ويتكرر هذا التبادل السردي في صفحات 32-35-39-42- 45.
العنوان كمفسر وعتبة دخول للنص
يعتبر العنوان (موجيتوس) عنواناً محايداً وإن كان مغلقاً ذو خصوصية قد لا ينجح في جذب اهتمام المتلقي البسيط والتقليدي للعمل السردي لغرابته، ويجذب فقط القارئ ذي الخلفية الثقافية، كونه عنواناً لأسم أجنبي يثير انتباه هذا القارئ المثقف لمعرفة المزيد عن هذا الـ (موجيتوس) بينما يُنفر القارئ محدود الثقافة وغير المثقف.
زمن السرد
يتضمن عمل منير عتيبة موجيتوس ثلاثة أزمنة؛ زمنان للسرد الروائي (زمن الحدث، وزمن السرد) وزمن للقراءة، إذ يدور (الحدث) في زمن كرونولوجي واقعي محدد، يبدأ برحلة العشرين، وينتهي بسقوط قلعة فراكينسستوم وإجارة ماريا/كرستينا لمجاهد/موجيتوس الذي يقرأ ويكتب أحداث بين الزمنين من البداية حتى النهاية، ويفتت كل سارد جديد (زمن السرد) ويشظيه مع كل فصل جديد؛ حيث ينتقل السارد بالأحداث لزمنه الذي يخصه ويخص الأحداث التي يقوم بسردها؛ بينما يعتبر زمن القراءة زمناً مطلقاً، يؤسسه القاريء مع القراءة ويعيد فيه ترتيب زمن وأحداث السرد المتشظي زمنها السردي.
خدعة المائة سنة "ذات الحقيبة التي خرج بها هارباً منذ مائة عام؟" ص 6
توحي هذه الجملة أن أحداث رحلة العشرين جرت في أكثر من مائة عام (بافتراض أن مجاهد/موجيتوس هرب وقد تجاوز العاشرة من عمره كحد أدنى للعمر الذي يتمكن فيه من الهرب) لكن تأمل السياق السردي Context (خاصة إدراج علامتي استفهام في نهاية الجملة) يساهم في فك شفرة الجملة وإدراك المجاز في صياغتها والمعنى المقصود؛ ألا وهو تهويل وتضخيم زمن الحدث السردي لكثرة ما مر بهذا الزمن من أحداث، والإيحاء أن هذا الزمن الافتراضي يبدو اطول من مائة عام لزمن طبيعي هو أقل بالضرورة؛ لكن لا يمكن أن نعرفه بالتحديد.
مكان الأحداث
يلعب المكان دوراً مؤثراً في ترابط السرد في هذا العمل رغم وقوع الأحداث في أماكن متفرقة؛ لأن الرابط المكاني (المفتت والمتشظي) لأحداث تقع في أماكن واقعية ما بين شبه جزيرة إيبريا وحتى وسط أوروبا في وحدات سرد مختلفة ومستقلة بذاتها على امتداد العمل
فتت الكاتب وشظى الرابط المكاني عمداً ليسهل على القاريء مهمة التعرف على الأحداث والشخصيات، وحتى يستطيع ذلك لجأ الكاتب لحيلة فنية تجمع الشتات المكاني في سلة واحدة، فماذا فعل؟
بدأ الأحداث في في فصل (بداية) بقلعة فراكينسستوم وانهاها بفصل (نهاية) في نفس القلعة في شكل دائري Rondo مما صنع رابطة موضوعية قوية للسرد بتأثير هذا الشكل الفني رغم اختلاف المكان في وحدات السرد المختلفة بين البداية والنهاية، وليس هناك ما يدل على أن قلعة فراكينسستوم البطل المكاني في السرد هي موقع تاريخي واقعي لا هي ولا مواقع أخرى خيالية مثل سبتمانيا، رغم استناد السرد على مواقع جغرافية واقعية أخرى كالأندلس وصقلية وهنغاريا وفرنسا ...الخ.
شخصيات السرد (الأشخاص المشاركين في تطور أحداث الفعل السردي)
لا يوجد راو عليم في هذا العمل رغم ما يوحي به فصل (بداية) بينما لدينا تسع وخمسين اسماً لشخصيات ورد ذكرها في الرواية (ماريا/كرستينا- موجيتوس/مجاهد (الفتى الصغير) – عجب- عبد الرحمن بن سالم- عثمان السندي- أمير البحار يوسف- الطماشكة - إبراهيم بن عامر- الغافقي- صفي- علي- عيسى بن أحمد- صبح- الليونيه- سعيد الإشبيلي- عبد الله البلوطي ابن إليان- أسماء بنت الفقيه العمري المقلص- الخليفة عبد الرحمن الناصر- طارق بن زياد- عبد الرحمن الداخل- عبد الرحمن الغافقي- شارل المطرقة- حسان الغافقي- الدوق أودو- مصعب بن عمير- زرياب- هشام بن عبد المعين- موسى بن الحكم- إبراهيم بن يعقوب-  الطرطوشي- خلف الصقلبي- نجدة الصقلبي- أفلح صاحب خيل الناصر- الدري صاحب الشرطة- سليمان بن داوود- الأمير عبد الله بن ناصر- حماد- الإشبيلي- ابن الحكم- مارك- هانز- فلورا- الفاريس اليهودي- لنيو مساعد الفاريس- العبد دانيال- هشام بن عبد المعين- الشريف هرمان- كولمبا- مريوزا أم كرستينا- القس ترومان- الإمبراطور وثون- روكسانا- هيدج كونت بروفيانس- وس رئيس الدير- سارة الشرسة- بيلانجي- القديس مايول- النبيل يوبون- سالم الغرناطي.)
ورغم ضخامة عدد اسماء الشخصيات الواردة في الرواية بلا مبرر فني إلا أن الكاتب لم يحدد بين هذه الأسماء شخصيات العشرين كلهم الذين قامت على أكتافهم المغامرة؛ بل ركز على شخصيات معينة، ارتأى أنهم صناع الحدث، فقدم من خلالهم أصوات سردية متعددة ممتلئة بالتنوع في الأفكار والمرجعيات والفعل في أماكن متعددة من عالم واسع، لا يخلو من خير ولا شر، فلا يقوم بالسرد في الفصول المستقلة كل أفراد الحملة العشرين بل ثلاثة عشر فقط دون مبرر فني لإغفال حق السبعة الباقين في الحديث عن دورهم في هذه التجربة.
متن الأحداث والرؤية السردية (الحكاية - الوقائع)
تتأسس الرواية على تلاقي إرادة مجموعة اندلسية من عشرين رجلاً من المسلمين (العرب، والبربر، والمولدين) للجهاد بغزو جزيرة صقلية لكنّ تغرق سفينتهم في عاصفة عاتية ويلقي بهم الموج على شاطيء قريب من قلعة يتخذونها مقراً لهم ومنطلقاً لانشطتهم الجهادية ومن ثم تتوسع غزواتهم بعدما استقروا واقاموا حصوناً أخرى، ويفرضون سطوتهم على مدن وقرى وممرات حيث تتلاقى حدود مناطق فرنسية وإيطالية وألمانية حتى جبال الإلب؛ وسرعان ما يتحولون إلى كيان يكاد يشبه دولة بلا اسم، مقسمة لمجموعة حصون تتواصل فيما بينها بالحمام الزاجل وإشارات الدخان، لتحذير بعضها في حالات الخطر، فتذكرنا هذه الحرب التي يتمترس أصحابها ثم يسيطرون على أراض بفلسفة ترتكز على عقيدة أدت لظهور القاعدة وداعش في عصرنا الحالي.
ويذكر السرد حكايات ابطال العمل، فيمنح هذه الشخصيات الخيالية ابعاداً إنسانية ويكسوها لحماً، ويمنحها أرواحاً تتعذب، ونفوساً تحركها الشهوات والأطماع، وضمائر يؤرقها الظلم، وتسعى لإحقاق الحق وتأسيس العدل طبقاً لمفاهيمها المختلفة (صحيحة كانت أو خاطئة) حيث تعتبر هذه الحكايات الفرعية لحمة وسداة السرد وأحد أهم أسباب تماسكه، ويبرز من بينها حكاية عبد الرحمن بن سالم وصبح في ص 129.
إن الروائي يكتب هذه الرواية لقارئ عليه أن يملأ فراغاتها بالتأويل خلال التلقي... قارئ باستطاعته قراءة هذه الرواية قراءة صحيحة يغوص بها في تفاصيلها ويفهم عوالمها وما يحدث فيها من أحداث؛ ويستعين الراوي في ذلك بالوصف المحاكي للواقع وليس نقل الوقائع الخاضعة لقوالب تفسير نمطية جاهزة.
ورغم ذلك يقع الكاتب في بعض الهفوات حيث لا نعرف في ص 61 من الذي غرق ومضى السارد لإنقاذه حتى كاد أن يهلك، ويخلط بين النبيذ والجعة في ص 130، وتحكي كرستينا عن تاريخ ابيها وأمها الجنسي دون أن نعرف كيف علمت بهذا التاريخ شديد الخصوصية والسرية، ويأتي في ص 166 بحديث ضعيف عن الرسول (ص) بلا مبرر فني قوي، ولا يضع حواشي يفسر بها الغامض من الكلمات مثل أسماء بعض المواقع والبلاد أو الجماعات مثل قلعة فراكينسستوم أو جماعات السارازين.
دلالات وأبعاد الحدث:
تبدو القضايا الثقافية التي يقدمها منير عتيبة في موجيتوس كصدى صوت لواقع ثقافي يعيشه ويؤرقه على مستويين (مستوى معاصر وآخر تاريخي) "فررت مني فلم أجد سواي." ص 31 مما دفعه لسرد روايته على خلفية تاريخ الأندلس كانعكاس لواقع معاصر يعيشه ويؤرقه، فيروي لنا حكاية مجتمع ينشأ بالقوة في مكان واحد تحت راية واحدة، ثم يتفتت وينقسم ببناء حصون وإقطاعيات منفصلة تحت دعاوى دينية زاعقة، تستر اطماعاً مادية وسلطوية وشهوات، وتتضح ابعاد الصراع العنصري بين العرب، والبربر، والمولدين في ص 210 حيث يؤكد عشق البلوطي هذه العنصرية ورفض الأب الفقيه العمري المقلص زواج ابنته أسماء من البلوطي المولد غير القبلي حيث يراه أقل شأناً وأصلاً.
 وتعبر الصراعات الدموية التي يمتلئ بها العمل عن رؤية كاتب يتمزق بين يقين قيم عقائدية (تمثلها قيمة الجهاد) وحلمه بمجتمع أكثر إنسانية وأقل شراً، ورفض ما ينتج عن القيم الملتبسة من استعباد الناس في ذات الوقت، يقول عتيبة في صفحة 146 "الأندلس العظيم الذي غادرته خوفاً من السوس الذي ينخر في عمقه، السوس نفسه أراه هنا، حب الرياسة والسلطة، حب المال، التعصب للقبيلة، التحزب للعرق، إرادة الدنيا تحت لافتات طلب الآخرة."
ويقدم لنا الكاتب رؤية عن ثقافة التكفير والقتل لمجرد الغضب في ص 133 "لكن الطماشكة أبدى ميلاً لتصديق الزوج مما أثار ثائرة الغافقي الذي رفع سيفه ليقتل به قاطع الأفكار ناعتاً إياه بالكافر الكاذب." و ثقافة السبي في ص 137 "في جسد الجارية ابذر كل همومي واشواقي ومشاعري/ جسد المرأة أصبح بالنسبة لي هو العالم."
وهو إذ يحلم بالقضاء على العبودية يقارن بين قطاع طرق الحجيج لمكة وبين سكان القلاع في ص 143/144ويدين كافة المتحاربين الذين يقتلون ويستعبدون الرجال والأطفال ويسبون النساء لا يستثني مسلمين أو مسيحيين، ما داموا لا يحققون حلم الحرية -هذا الحلم الذي لم يتحقق إلا على يد الأوروبيين وليس المسلمين- ويطرح في ص 133 قضية ثقافة القتل بتهمة الكفر، ويناقش ثقافة السبي في ص 137 ويقدم قراءة ثقافية لسقوط الحضارة في ص 146 ويصوغ مشهداً فانتازياً يدين به عبثية الحرب والموت في الفصل المميز الذي يسرده عيسى بن أحمد في ص 153.
ويبدو تمزق ضمير الكاتب مصاحباً له على امتداد عمله السردي يشاركه ضمير بعض ابطال عمله الروائي كماريا/كرستينا، ومجاهد/موجيتوس هذا التمزق بين يقين الإيمان الديني وأسئلة الشك الفلسفية المنطقية الديكارتية عن القيم التي تواجهها صرامة الواقع وقسوته. "لا يقين هناك لمثلي، تركت كل شيء خلفي لأجد اليقين." ص32
البعد العاطفي
 يعكس السلوك العاطفي لشخصيات السرد من الذكور حالة إبيقورية حسية شبقية ترى في الأنثى وليمة تكتمل لذتها بشهي الطعام وجيد الشراب وصوت الموسيقى. "جسدي مازال يطلب شهوته، بل يطلبها بعنف وإلحاح أقوى كطفل متمرد يعلم أنه سيحرم من الحلوى فيأكل منها أكثر من طاقته، عاشرت عشرات الجواري حتى مللت الشهوة، وضربت على العود ليال وأيام متصلة حتى كلت روحي وارتخت أصابعي، شربت النبيذ حتى لم أعد اطيق رائحته، أكلت حتى كرهت الطعام."  ص 30  فأبو مجاهد يغتصب عجب في ص 13ويحكم أبطال العمل كلهم بلا استثناء رؤية جنسية للمرأة تحكمها شوفينية ذكورية تبدو غاية في الوضوح في ص 211 على لسان حسان الغافقي "لم تشعر أنها امرأة حقاً إلا وهي تحتي أدكها دكاً كما أدك قلاع أمراء أوروبا، فتتهاوى مستسلمة لعنفواني." في حالة تمزج بين الجنس والحرب، وتسود ثقافة التمييز التي تعبر عنها حكاية عشق البلوطي لأسماء ابنة الفقيه العمري المقلص ورفض الأب مما يذكرنا بالدعوي التي اقامها الشيخ السادات للتفريق بين ابنته صفية والشيخ علي يوسف بسبب عدم التكافؤ بينهما لأنها من الأشراف وهو من العامة.
فهل هو موقف للكاتب من الجنس والحياة أم هو موقف لأبطال روايته؟
البعد الثقافي-الطفل الشيخ
يقول الكاتب على لسان هشام بن عبد المعين في ص 230 "انجبت ماريا لمجاهد رجلاً عجوزاً" ويقول على لسان مجاهد/موجيتوس "جفت الدماء في عروقي وأنا أرى ما تحمله ماريا، جسد طفل مولود منذ لحظات، ورأس رجل عجوز!" (مع التحفظ على لفظة عجوز التي يجب استبدالها بشيخ لأن العجوز هي المرأة) فنحن أمام ظاهرة لا يجب أن تمر مرور الكرام لأن الرواية قاربت على الختام، فما الذي يدفع كاتب اجهد نفسه زمناً طويلاً لجمع شتات فكرة مجهدة كفكرة روايته تلك ليضعنا أمام ظاهرة غير عادية بولادة طفل أعجوبه محكوم عليه بالفناء من لحظة ولادته أمه ماريا/كرستينا، وأبوه مجاهد/موجيتوس؟
تقول ماريا في ص 266 "عقله يستوعب ما أقول بسهولة، علته في جسده فقط إذن." وهو "يردد خلف أبيه آيات من القرآن." كما أنه "يتلو الترانيم الصباحية التي كنت أرددها مع راهبات الدير." ص 267
يمكن فهم هذه الظاهرة بالرجوع إلى ص 58 حين ينقذ مجاهد/موجيتوس- كريستينا/ماريا من شبق أمير البحار يوسف حين يصرخ فيه "هي لي." ثم صرخة كريستينا/ماريا في بوبون ص 267 تنقذ مجاهد/موجيتوس "هو لي."
يقول لنا منير عتيبة أن الحب والتعايش ممكن بين أصحاب العقائد المختلفة؛ لكن هذا الحب والتعايش محكومان بالعقم لأن نتاج التزاوج سيكون مبتسراً غير قابل للحياة مهما تمتع بالذكاء وصفاء الروح... سيكون كائناً شائهاً... قصير العمر ذو جسم طفل ورأس شيخ... وبهذا يحكم عتيبة منير على مشروع الرئيس السادات (مجمع الأديان) بالموت، ويتعارض مع الموقف المرتبك للروائية خولة حمدي (في قلبي أنثى عبرية) هذا الموقف الساذج الذي يرى إمكانية التعايش بين العقائد الإبراهيمية إذا التزم الجميع مبدأ التسامح وتحملَ كل واحد معتقد وأفكار الآخر؛ لأن الكاتبة ترى أن كل هذه العقائد ديناً واحداً؛ لإله واحد حيث تقول الأم سونيا لابنتها ندى: "أنتِ ستظلين ابنتي على أي حال وأنا سأُساندك طالما تدينين بديانة توحيدية.".
البعد التاريخي الاجتماعي
أساءت جماعات عديدة عبر التاريخ فكرة توظيف الدين في السياسة ومن أشهرها جماعة الحشاشين الذين عاشوا في قلعة (آلموت) ومثل فرسان القديس يوحنا الذين أسسوا مجتمعاً شبيهاً في جزيرة مالطة، ومارسوا القرصنة في البحر المتوسط طولاً وعرضاً؛ بالضبط كما عاش العشرون في قلعة فراكينسستوم يتزوجون ويتسرون في مجتمع مشاع بدائي، ينظمه أمير يلعب دور الأب الفرويدي الذي ينشق عنه أمراء، يؤدي انشقاقهم في النهاية لنشأة مجتمعات أضعف، تُضعف بالتالي المجتمع البدائي الأساسي، لتعيد إنتاج أسباب انهيار المجتمع الذي جاءوا منه... الأندلس، وهذا ما تفعله جماعات التدين السياسي عبر التاريخ.
وتعكس فكرة العشرين رجلاً من المسلمين الخارجين من الأندلس الدولة المتحضرة في ذلك الوقت خروج طائفة تحت راية قناعة يقين إيماني (الجهاد) تريح ضمير متعطش لغزو بلاد ضعيفة غير بلادهم... رجال طامعون في الغنائم... حالمون بالسبايا الأوروبيات البيض الشقراوات شبيهات حوريات الفردوس، ونجحوا كما نجح مجتمعهم الأصلي في الأندلس في ذلك –لكن-لزمن حتى انتفض الأوروبيون لتخليص أرضهم من المحتلين سواء في الأندلس أو من السارازين.
ختاماً...
إن حكاية موجيتوس وجماعته العشرين تعكس تناقضات تاريخية حدثت في الأندلس كنموذج اختاره الكاتب من بين نماذج تاريخية عديدة مماثلة، وكلها تعكس واقع مشابه نعيشه ويؤرق ضمير (العائش في الحقيقة) من البشر الواعين بمرارة واقع يعيد إنتاج التاريخ وتناقضاته بغباء لا حدود له، يُفقد الأمة عناصر قوتها، ويدعم أسباب هزيمتها وانكسارها، تمهيداً لانهيارها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق