السبت، 4 أغسطس 2018


نوستالجيا رجب
بقلم: أحمد إبراهيم أحمد
يعتبر رأي الباحث تشارلز إي ماي عن الجنس الأدبي مرجعية هامة للنقاد والدارسين حيث يتبنى وجهة نظر تحليلية عن إدجار آلان بو تقول: "يتحقق الجنس الأدبي فعلاً عندما يعبر عن الأعراف التي تشكله من داخل سياق المفهومات الخاصة بالأدب بشكل عام."[1]
 حيث يمكن بسهولة التعرف على سرد المجموعة القصصية (نوستالجيا غيط العنب) باعتبارها (قصة قصيرة) وليست ذكريات، أو تعليقات لكاتب حيث جاءت النصوص السردية في المجموعة في سياق مصري مُحكم من أحداث تاريخية في أماكن واقعية، يقوم بها أشخاص حقيقيون، ويدعم ذلك ما كتبه الدكتور محمد المنسي قنديل في رسالة خاصة للكاتب رجب سعد:
"هل أصبح من حقنا أن نحلم أن يأتي عامٌ جديدٌ؟ حزينة كانت أعوامنا القديمة ومتشابهة، نشيخ فيها بلا أمل، ونهرم دون خلاص، نقتات على خبز الزمن اليابس دون شبع، ونتجرع صبار القهر... ولكن هناك شموع متوهجة قد أضيئت من حولنا من دموع ودم... من حلم وأمل... من شباب ضحوا بأعمارهم التي لم تكتمل، ليمدوا شيخوختنا بدفء البعث... طوبى لهم... لأرواحهم النضرة... لقلوبهم الغضة... لاستشهادهم النبيل، واللعنة على قتلتهم... عام جديد يبدأ فاستبشروا.. الأمل مازال حياً."
ويصف الكاتب نفسه بتواضع في قصة (كأنَّـهُ أنــا... كأننــي هُــو) بمجموعة (نوستالجيا غيط العنب): "محارب قديم، ورجل بحث علمي، ولاعب دومينو خطير، يجلس مثيراً للصخب في مقهى بلدي، واضعاً في فمه طرف ماســورة عـادم!". دون أن يذكر صفته الأهم كـ... (كاتب مثقف ومبدع حقيقي، عاش على هامش الثقافة المصرية بينما مكانه الأصيل صدر المتن.).
عرفته في النصف الثاني من القرن الماضي، وتقاربنا كوننا ننتمي لنفس الطبقة، ونعيش ظروفاً متشابهة؛ حيث أقيم في شمال شارع راغب بينما يقطن هو جنوبه، ويرتاد كلانا أنشطة قصر ثقافة الحرية الذي أداره في بداياته المبدع والكاتب المسرحي الكبير محمود دياب الذي استضاف كبار المفكرين والمبدعين في مختلف المجالات، وجعلهم يحتكون بالشباب أمثالنا... وهكذا ذهبت بي مجموعة (نوستالجيا غيط العنب) لحالة نوستالجيا شخصية، تستعيد زمناً من خلال تسعة عشر قصة قصيرة تستحيل استعادته... هي: (كأنني هو – كأنه أنا - زمن الأبيض والأسود- رئيسة لجنة مكافحة الشيوعية العالمية - رأيتُ الزعيمَ وقابلتُه- مهاتفة - هوم سيكنيس- دائـرة مغلقة – وطاويط – أنا يوســف  لعلك تتذكرني! – كان صديقي – ختنته الملائكة – رجل ملتصق بكرسي - بكتيريا – طالب مكتب – جحيم – حكايات مجهضة – عليّ... عليّ... عليّ... – سرديات فيسبوكية – نوستالجيا غيط العنب.) ويمكن تتبع مشاعر الحنين للماضي في هذه المجموعة من خلال رصد (الأحداث- البشر- الزمن- الأماكن) في إطار الدلالة التي يقدمها عنوان المجموعة التي تقدم لنا هذه العناصر في سياق سرد Context كل القصص التي تعكس ارتباطاً حميماً بالسياق الوطني من خلال التفاصيل الواقعية للحياة، وعرضها عبر السياق الاجتماعي المعاش دون المغالاة في النبرة السردية، أو ممارسة الصراخ السياسي.
1.        نوستالجيا الأحداث
لا ينسى كاتبنا تفاصيل الحياة العادية المؤثرة في مسيرة الإنسان؛ كالحب الأول، وما يصاحبه من تحول من الطفولة للرجولة فيقول في قصة (أنا يوسف.. لعلّك تتذكرني!):"وما لا يعرفه يوسف أيضاً، أن طابيسا كانت أول أنثى ألامسها، وقد عشت معها أول ليلة حب في حياتي، لأكتشف – عندما أيقظتني أمي في الصباح – أوَّلَ بقعٍ مصفرَّةً، أعاينها وأنا في الحمَّام، تنتشر في سروالي الداخلي!" ويشير الكاتب هنا إلى ثقافة عدم تمييز المجتمع بين العقائد حيث يحلم الفتى المسلم بمحبوبته القبطية... هذه الثقافة التي اختفت الآن للأسف؛ كما يستخدم الكاتب الأحداث، ليبين المفارقة بين ثقافة التحضر في دول العالم المتقدم التي تحترم الخصوصية الفردية، وتقوم مؤسساتها بالدفاع عنها؛ بينما لا ترى ثقافة التخلف في هذه الخصوصية قيمة تستوجب الدفاع؛ بل تعتبرها مرضاً يستلزم علاجاً، فيقول في قصته (وطاويط):"لجأت إلى الشرطة، وقابلت ضابطاً كبيراً، أنصت إليَّ باهتمام وأنا أشرح له أن أمني مستباح، وأن أصوات من لا أراهم تقتحم عليَّ سكني الخاص، وتسلبني حقي في شيء من الهدوء. قلت له إنهم يكدرون ما أنشده من لحظات صفو، ويستولون على خطوط دفاعاتي الليلية، وتأتيني أصواتهم لتصب في أذنيَّ، فأشعر بشفاههم تلتصق بخارج أذنيَّ؛ حتى أنني أمد يدي فأكاد أجدهما وقد تدلت منهما زوائد من شـفاه مســودة، تلتصق بها روائح كريهة من دخان السجائر والحشيش. انتهت مقابلة المسئول الأمني بإهمال واضح من جانبه، وألمح إلى الصديق المشترك، الذي توسط لأتمكن من مقابلته، بأنني أعاني ضغطاً نفسياً يتعين عليَّ معالجته."
وتصنع الأحداث التاريخية جزءاً حيوياً من ذاكرة رجب سعد السيد الذي عاش وشارك في أحداث حيوية في تاريخ الوطن تركت بصمتها الحميمة على ذاكرته مثل رؤيته لجمال عبد النصر للمرة الأولى وهو طفل يافع بصحبة أبيه، فيقول في قصة (رأيتُ الزعيمَ وقابلتُه.): "وجدت يدي أبي تنتشلاني من بين أمواج البشر المتلاطمة، وترفعاني  وتجلساني فوق كتفه. كان أبي طويل القامة، فأصبحت أنا أعلى من كل المتواجدين في الميدان، ونظرت إلى أعلى، فرأيت صفاً من الضباط، يتوسطهم جمال عبد الناصر، يلوِّحُ بكلتا يديه محيياً الناس الذين امتلأ بهم الميدان. وكنت أعرف ملامحه جيداً، لأنها كانت قريبة من ملامح أعمامي وأخوالي."
وليست حرب أكتوبر إلا علامة فارقة في تاريخ الوطن والتاريخ الشخصي للكاتب الذي خاضها مقاتلاً ميدانياً وعانى مرارات الهزيمة وهو طالب جامعي:"18 يونيه 1967... مقصف الكلية... أجلس وحدي... مائدتي الصغيرة عليها بعض الأوراق، ومطفأة مملوءة بنفايات التدخين... الهواء ساخن، والوجوم ينبع من الداخل... كبوة... طعنة... جرح نازف... يوم امتحان مؤجَّـل بسبب الحرب... كان موعده الخامس من هذا الشهر.".
ويرى الكاتب -من خلال موقعه ككاتب مثقف عاصر الحرب- أن من يمثل نموذج العسكرية المصرية الفذ هو اللواء مهندس باقي زكي يوسف؛ صاحب فكرة مدافع المياه المستقاة من بناء السد العالي، ويمارس بذلك ربطاً ذكياً بين أحداث الوطن؛ بحيث تؤدي المقدمات لنتائجها المنطقية فيقول: "وكان بطل روايتي مهندسا عسكريا، شارك في الأعمال التحضيرية لتحويل مجرى النهر وإقامة جسم السد باستخدام آلات تهيل جبال الصخور والرمال، هي التي أوحت إليه بالآلات التي أهالت الساتر الترابي لخط بارليف. وأحكي من خلال هذا البطل التحولات التي شهدها المجتمع المصري منذ بناء السد، مرورا بالتحولات الاشتراكية، والتصنيع، وعلامات ازدهار، بدأت تتضح ملامحها في المجتمع المصري في كافة نواحي الحياة؛ حتى أوقفت نموها معركة 67 وما تلاها من موت ناصر، والدخول الميلودرامي للسادات إلى المشهد، ثم أكتوبر وانهيال الساتر الترابي."
ويرصد -كمثقف مشارك، ورجل علم منهجي- واقع التاريخ، ويحلله بموضوعية بعيداً عن الهوى أن:" بناء السد العالي، وملحمة أكتوبر، وكلتاهم - في رأيي - يعود الفضل فيهما لجمال عبد الناصر، فلم يكن السادات إلا مشاركاً جاء بعد انتهاء الاجتماع التحضيري، وفي يده بطاقة دخول عرض سينمائي، قد تنفعه عن ضرورة البحث عمن يتحمل مسئولية فشل." حيث يستخدم الكاتب علم الدلالات لتحليل سلوك السادات بدخول السينما ليلة تحرك الضباط الأحرار، واحتفاظه الحريص على التذاكر (التي تلقى في المهملات عادة) كوثيقة براءة لو فشل الضباط الأحرار، ثم يستخدم واقعة مكالمة هاتفية مع أحد رفاق الحرب في قصة (مهاتفة) حيث يذكره هذا الرفيق بذكرياتهما القديمة؛ لكن التطور الاجتماعي الاقتصادي السلبي نتيجة سياسات السادات التي أنتجت عجز الطبقة المتوسطة مادياً، ودمرت أحلام جيل، قاتل وصنع النصر، يؤدي إلى عجز بطل القصة عن مساعدة صديقه الذي ظن أن قيمته العلمية والأدبية أنقذته من الضائقة الاقتصادية، فتنتهي علاقة زمالة السلاح على يد علاقات اقتصاد مجتمع، انفتح بلا حساب لصالح الأوليجاركيه.
2.        نوستالجيا البشر
يصنع البشر جزءاً رئيسياً من وعي المؤلف والإنسان في أعماله الإبداعية عامة وفي مجموعة (نوستالجيا غيط العنب) على وجه الخصوص، وهؤلاء البشر هم ممن، مر في حياته بدءاً بالأهل والجد والجدة التي تداعبه بتلمس أعضاءه الجنسية بسلوك لم يكن معيباً في مرحلة تاريخية كانت فيها قيم الطبقة المتوسطة الاجتماعية قيماً طبيعية، وغير ممتلئة بتابوهات زائفة كما هي أخلاق هذه الطبقة الآن، فيقول عن سلوك جدته في قصة (ختنته الملائكة): "اعتدتُ أن أتخابث، لتأتي هي إليَّ – في كل مرة – وتعنفني، وتدغدغني، وتبحث، من فوق ملابسي، عن شيء بين فخذيَّ؛ وأنا أروغ منها، غير راغب في أن أبتعد عن يديها؛ ولكنها لا تلبث أن تعلن احتجاجها، فقد أجهدتها، والجميع ينتظرونني."
ويواصل رصد الكاتب للبشر بدءاً من الجذور التي يمثلها الجد والأهل، مروراً بالعلاقات الإنسانية والصداقات؛ وعلاقات العشق  في قصة (رئيسة لجنة مكافحة الشيوعية العالمية) أو كما في قصتيه (أنا يوسف... لعلك تتذكرني/ كان صديقي) حيث يبدأ قصة كان صديقي بافتتاح بأغنية "في يوم من الأيام" التي تعكس حنيناً صريحاً للماضي، وصولاً للزعيم حيث يقول في قصته (زمن الأبيض والأسود): "إنه الزعيم... قـد نختلــف الآن حوله... لكننـا وقتهـا، كنــا – جميعـاً – حوله، نحبه ونُجـِـلَّـه... لنـدع مـن لا يزالون يحبونه يستمرون في حبه... وليحاول من تحـوَّل عنـه ألاَّ يكـرهــه .. أكثــر!".
كما يخصص قصة كاملة (رأيــتُ الزعيـــمَ .. وقابلتُـه) للحديث عن رؤيته -شاباً- للزعيم يتفقد البشر في حادثة سرية، تعبر عن حميمية المشاعر بين الزعيم وبينه هو الشاب العادي مجهول الهوية يقول عنه:" قالوا لي: تدافع عنه كأنه أبوك! قلت هو كذلك، فالإنسان يمكن أن يكتسب آباء آخرين غير أبيه الذي يحمل اسمه... آباءً أثروا فيه وأثروا حياته، وقدموا له فرصا طيبة للحياة؛ وقد فعل جمال عبد الناصر ذلك لي، وللملايين من أبناء الوطن."
حيث يعكس الإقرار بقيمة الزعيم -رغم اختلافه معه في العديد من القضايا- قدرة الكاتب على إصدار الأحكام الموضوعية على أشخاص قصصه الذين يصوغهم من لحم ودم، مستخدماً نصوصاً حقيقية كما في قصة (أنا يوســف  لعلك تتذكرني!) فهو لا يميل لإدانة شخوص قصصه سواءً اختلف أو اتفق معهم؛ بل يتعاطف مع شخصيات تناقض سلوكه وأفكاره معهم كما في قصة (رئيسة لجنة مكافحة الشيوعية العالمية.) التي يصل تعاطفه معها مداه لمشاعر حب، يغتالها السرطان باغتياله للبطلة التي تخاطب حبيبها المتمرد قائلة: "قوم اتوضا وصلي الفجر.. إنتا موش زي ما انتا فاكر. إنتا عيّل غلبان!".
3.        نوستالجيا الزمن
يشغل الحنين للزمن مساحة مؤثرة في نصوص المجموعة حيث لا يكتفي الكاتب بالتعبير عن الحنين لزمن مضى؛ بل يمتد حنينه للمستقبل؛ حيث يحلم بزمن أكثر نوراً ورخاءً لأحفاده، ويقيم أحداث الواقع القديم القاسية التي استهلكت ما يقارب السنوات الخمس من زهرة شبابه، فيصف هذا الزمن في قصة (زمن الأبيض والأسود) بقوله:"كان الزمن صعباً، ولكنه كان جميلاً... عشنا بالطول والعرض بالرغم من وطأة أحوال الوطن الخارج من هزيمة عسكرية، وبالرغم من ضيق ذات اليد، فكلنا قادم من أسر مستورة." ويرصد في نفس القصة أثر الزمان في تناقض منظومة القيم والأفكار الشخصية للإنسان المصري، بتقديم صور نمطية Stereotype Images تعكس نوستالجيا الكاتب تجاه البشر، وتبرز التناقض بين الزملاء برصد أثر الزمان على منظومة القيم والأفكار الشخصية لكل فرد، ليقدم لنا أنماطاً سلوكية للإنسان المصري، كانت، وظلت، لنعايشها حتى الآن كما لو أن الموت يعجز عن ذلك - رغم كل ما يحمله من تغيير يحدث الواقع!
4.        نوستالجيا الأماكن
تشكل الأماكن جزءاً حميماً من ذاكرة الكاتب الذي يطرح في قصته (وطاويط) أثر المكان (البيت كرمز) على إشباع غريزة الأمان الأساسية للبيت مصدر الإحساس بالأمن الذي دمره رمز آخر للتحولات في المجتمع (زلزال) مما يضطره للسكن في بيت متشقق (نجا من الزلزال رغم تهالكه وربما بسبب هذا التهالك) ليطارده زلزال آخر (صوت الشيخ وطواط) الذي يأتي من خلال مكبر صوت مزعج، ثم يتضح أن الصوت تتم إذاعته من جهاز تسجيل (تزييف) ليقضي الزيف على الإشباع الضروري من البيت كمصدر للأمان.
ويبدو تأثير المكان حاداً في أثره الوجودي في قصة (هوم سيكنس) التي تحكي قصة حقيقية مر بها الكاتب مرتين -مرة في السعودية، ومرة أخرى في البحرين- في محاولته غير الناجحة للاغتراب خارج الوطن، هرباً من الاغتراب في الوطن؛ لكن يدعم الأشخاص، والمباني الشاهقة، والطرق الضخمة، والأماكن المختلفة مشاعر الاغتراب عن الوطن، ليختار الاغتراب في الوطن، ويذوب في الأماكن الحميمة التي عرفها في ستينيات، وسبعينيات القرن الماضي مثل (مقهى على كيفك) و(كافيتريا إيليت) حيث الأماكن كالبشر في قصة (كأنني هو – كأنه أنا) "رأيته... سمعته... أخبرني... كاشفني... أسر لي." فالأماكن كائنات حية عند كاتبنا، وتتنفس المشاعر!
لغة الخطاب السردي
تتميز لغة المجموعة بالنقاء حيث تكاد تخلو من الأخطاء اللغوية النحوية منها والإملائية، وتتواصل اللغة مع القارئ بسهولة نتيجة الحميمية في استخدام ألفاظ محددة من القاموس السائد مثل (هوم سيكنس- وطاويط- رجل ملتصق بكرسي - بكتيريا- فيسبوكي... الخ) ورغم سلاسة تكوين الجملة التي توحي بأنها لهجة عامية إلا أن التدقيق، يوضح بجلاء التزام الكاتب الصارم بقواعد وعلوم اللغة نتيجة معرفة وموهبة، تقترب بصياغة الجملة من تلك (اللغة البيضاء) سهلة التواصل مع المتلقي، والقادرة على صنع الانحياز للنص اللغوي.
البعد السيكولوجي في النصوص
تمتلئ المجموعة بمشاعر الحنين للماضي Nostalgia التي أعلنها الكاتب منذ صياغة عنوان المجموعة، سواء كان هذا الحنين لمشاعر تجاه أزمنة، أو أماكن، أو أشخاص من البشر، وهي مشاعر مليئة بالشجن من افتقاد قيم مرحلة من مراحل عمر الوطن/المواطن، والحزن على ما وصل إليه الإنسان المصري (نموذج رجل الأمن، وخادم المسجد الأفاق في قصة (وطاويط) ونماذج البشر شديدة التنوع في قصة (رجلٌ ملتصقٌ بكـرســيّ)) ذات البناء الفانتازي، وينحاز الكاتب للحياة رغم القراءة السوداوية للواقع، ولا يفقد الأمل في تغير هذا الواقع للأفضل، فهو في كل كتاباته منحاز لغريزة الحياة، مناهض للموت سواء المادي أو المعنوي.
البعد الاجتماعي الاقتصادي
يرى الكاتب أن التغيير الاقتصادي الاجتماعي الحادث بعد انتصار أكتوبر، دفع ثمنه صناع النصر، وهي وجهة نظر صحيحة وجديرة بالاحترام؛ فمن المعروف اعتماد تكوين القوات المسلحة المصرية بعد نكسة يونيو على الشباب المؤهلين علمياً لتشكيل القوة العسكرية التي حققت النصر، والذين أملوا أن تكون تضحياتهم، واستشهاد أخوتهم في السلاح... ثمناً لحياة أفضل للوطن ولهم، لكن جاءت المتغيرات الاقتصادية التي شهدها المجتمع المصري خاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد مخيبة للآمال؛ حيث دعمت صعود الأوليجاركيه المصرية غير الوطنية، والتي تضخمت ثرواتها على حساب الطبقة المتوسطة التي هي العمود الفقري لبنية أي مجتمع المجتمع، وساهمت في تآكل هذه الطبقة الحيوية، وصعود طبقة أخرى من الطفيليين، سادت هي الأخرى، وشاركت في تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المصري، وما زالت.
البعد السياسي
لم يتعرض الكاتب مباشرة للواقع السياسي، ولكنه أشار بإمكانيات كاتب محترف متمكن -بشكل غير مباشر- للمراحل السياسية المختلفة التي عاشها من خلال رصد المتغيرات الإنسانية، وواقع البشر في المراحل المختلفة، وهذا الأسلوب الذي يعتمد التلميح بديلاً للتصريح، يسود حين يفقد المجتمع حساسيته تجاه الكلمة الواعية والمثقفة، ويسود مفهوم ثقافة المركز والأطراف، أو المتن والهامش بديلاً للثقافة الوطنية، وهذا ما يحدث للأسف.
من يعرف رجب سعد السيد ككاتب دءوب مثقف يكتب في مختلف المجالات الإبداعية -وإن تفوق في السرد، والثقافة العلمية- يعرف جيداً أنه أمام كاتب ومبدع حقيقي، جرى تجاهل دوره الإبداعي والثقافي -لحد ما- لا لشيء إلا كونه سكندرياً.


[1] تشارلز إي ماي: القصة القصيرة-حقيقة الإبداع، ترجمة د.ناصر الحجيلان، النادي الأدبي بحائل،ط أولى، ص 247،20011 م،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق