الأحد، 16 يناير 2011


الموسيقى

شكلت الموسيقى عبر التاريخ البشري مكوناً أساسياً من مكونات كافة الثقافات الإنسانية، ويرى علماء الإنسان (الأنثروبولجي) أن الأصوات بما فيها الموسيقى عنصر أساسي من عناصر ثقافة أي مجتمع، تُساهم في تكوين الخصائص الثقافية بتشكيل الذائقة السمعية.
والموسيقى وسيلة من وسائل الاتصال الإنساني مثل اللغة المحكية والمكتوبة؛ فكما يمكن لشخصين لا يتحدثان نفس اللغة أن يفهم أحدهما الآخر من السياق التعبيري للغة، فيعرف بسهولة إن كان غاضباً، أو فرحاً.. الخ، فللموسيقى نمط تعبيري مشابه للغة، يحدده البناء الموس
يقى Register وحيوية العلاقة بين النغمات Dynamics والعلاقة بين السكوت، وإنتاج الصوت Articulation.
وإذا كانت للكلمات والجمل المنطوقة والمكتوبة دلالاتها الواضحة التي يدركها ويفهمها الإنسان، ويستوعبها العقل بشكل مباشر، فإنها أيضاً لغة أحاسيس ومشاعر، يُحسها الحيوان والنبات أيضاً كما يحسها الإنسان، تؤكد ذلك الدراسات العلمية، وقد اعتقد الفلاسفة اليونانيون أن سماع الموسيقى مؤثر قوي على الحالة الإنسانية المزاجية Modes يقول أرسطو: "اثر الموسيقى أسمى من أن ينحصر في اللهو، ونشوة الحواس بحلو النغم؛ إنما أثر ها في تطهير النفس والتخفيف عنها."
وترى الثقافة الكونفوشية أن الموسيقى أداة تطهير وجداني، وليست أداة تسلية، وإذا استمعنا إلى أحد قراء القرآن الكريم أثناء تلاوته لآي الذكر الحكيم، سنجد أنه يقرأ ملتزماً أحد المقامات الموسيقية، فهناك مَن يجود مِن مقام الراست، أو السيكا، والحجاز، وينتقل من مقام لآخر بحسابات دقيقة، تتوافق مع التأثير الذي تولده الآيات الكريمة من رهبة وخشوع، أو فرح وبهجة، أو خوف من عذاب الله، وتفوق كل قارئ من القراء العظام في التجويد من مقام معين أكثر من غيره فتميزت قراءات الشيخ محمود صديق المنشاوي في مقام النهاوند، وأبدع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في قراءاته الجميلة من مقام العجم، والحجاز، وكان الشيخ مصطفى إسماعيل أستاذاً لا نظير له في علم القراءات نتيجة خبرته الكبيرة بالمقامات؛ كما تميز بعض القراء في أداء المقام من طبقات صوتية مميزة مثل الشيخ أبو العينين شعيشع الذي لم يكن يقرأ من مساحة القرار في صوته، وكان تجويده كله إما جواب القرار، أو جواب الجواب، ويصعب على قارئ آخر تقليد مهارته في القراءة من مقام النهاوند،  ويلتزم المؤذنون في أداء الآذان نفس الأسلوب، كما لعب الإنشاد الديني أحد أهم الأدوار في  الحفاظ على الموسيقى الشرقية، والالتزام بقواعدها، وتدريب الأصوات، وإكساب المنشد الخبرات التعبيرية الكامنة في المقامات الموسيقية، وكان المنشدون العظام أمثال الشيوخ: أبو العلا محمد، ومحمد عبد الرحيم المسلوب، وزكريا أحمد، وطه الفشني، والبهتيمي معلمين كبار سواء للمقرئين، أو المنشدين، والمطربين.
وفهم الموسيقى، والإيقاعات جزء هام ورئيسي لا يتجزأ من عمل القائم بالإلقاء سواء كان خطيباً.. مذيعاً.. ممثلاً، أو أياً كان، كما أن الإلقاء الصحيح جزء حيوي من الغناء، وأسلوب المغني، وشخصيته الفنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق