الأربعاء، 12 يناير 2011


لا تصالح
احتفالية وأغنية
للحــب والـحجـــر


صياغــة درامية لمختارات شعرية إعداد: أحمد إبراهيم أحمد

يفتح المسرح على خلفية سوداء يتوسطها بميل نحو اليمين ديكور رمزي لخريطة فلسطين تتجسد من خلالها قبة الصخرة.. يدخل المعلق الأول من يسار وسط المسرح ثم المعلق الثاني من يمين وسط المسرح.

برولوج

المعلق 1 :                حتى ننفي عن أنفسنا جرم الصمت..
المعلق 2 :                ولنرفع عن كاهلنا حمل الجهل..
المعلق 1 :                نعلمكم أنا جئناكم بحديث صعب.
المعلق 2 :                لم نحضر لنسليكم..
المعلق 2 :                أو نلهيكم..
المعلق 1 :                جئناكم بحديث الذكرى..
المعلق 2 :                إذ تنفع..
المعلق 1 :                وننبهكم لحديث الجد..
المعلق 2 :                وميراث الأب..
المعلق 1 :                وتاريخ موروث يسري فينا مسرى الدم..
المعلق 2 :                أن نقرأ واقعنا في ضوء الميراث..
المعلق 1 :                نستحضر قيماً من تاريخ فاعل..
المعلق 2:                 لنقيس عليها أمراً مفعولا..
المعلق 1 :                وأحذر..
المعلق 2 :                لم نأتيكم بالحكمة..
المعلق 1 :                أو كلمات نمضغها من أوراق مصفرة..
المعلق 2 :                جئناكم بكلام ممرور..
المعلق 1 :                لا نستهدف جلد الذات..
المعلق 2 :                بل نشعل زهرة في ذاكرة الأمة..
المعلق 1 :                نوقد حساً..
المعلق 2 :                أثقله وأنامه تكرار القهر من مستعمر غاصب.
المعلق 1 :                لم تكفه الأرض ليسرقها..والوطن استباحة..
المعلق 2 :                بل يسعى أن ينهب ذاكرة الأمة..
المعلق 1 :                يمسح من وجدان الناس النخوة..
المعلق 2 :                لذا نحن هنا لنذكركم..
المعلق 1:                 بالثأر العربي..
المعلق 2 :                بجساس وكليب..
المعلق 1 :                بالشرف
المعلق 2:                 باليمامة وجليلة..
المعلق 1 :                بالحق..
المعلق 2 :                حق أخيك أن تنصره ظالماً..
المعلق 1 :                فما بك لا تنصره مقهوراً مدحوراً؟
المعلق 2 :                جئنا ندعوكم..
المعلق 1 :                بحق القدس ويافا..
المعلق 2 :                بحق غزة وحيفا..
المعلق 1 :                بالبقاع وبالجليل..
المعلق 2 :                بخطى الأنبياء في موقع الإسراء..
المعلق 1 :                بحق الحق..
المعلق 2 :                ندعوكم سويا لأغنية..
المعلقان 1، 2 :                   للحب والحجر.
يخرج المعلقان 1 ، 2 من حيث جاءا ثم يدخل المعلقان 3 ، 4 بنفس الطريقة

لوحة رقم 1

معلق 3 :                  كانت النكبة وكان الأعدقاء..
معلق 4 :                  قهر وقمع وابتذال للإخاء..
معلق 3 :                  وبين حسن الظن والتخلف والغباء..
معلق 4 :                  توالت النكبات..
معلق 3 :                  مع إصرار شعب أن يقاتل قهره..
معلق 4 :                  أن يواجه قدره..
معلق 3 :                  ويصنع فجره..
معلق 4 :                  وفي خضم الرعب تنبت ورده..
معلق 3 :                  من رماد الموت تنبعث الحياة..
معلق 4 :                  إصرار أمة أن تحارب موتها..
معلق 3 :                  أن تخلع رداء الليل عن معنى الأمل..
معلق 4 :                  وتضيء فجراً نابضاً كقلب طفل..
معلق 3 :                  تتوحد النسوة والأرض..
معلق 4 :                  فينبتن أزهاراً ومقاتلين..

يدخل توفيق زياد المسرح من اليمين ويدخل تشكيل من الفدائيين من اليسار

توفيق زياد :                 أناديكم

                              أشد على أياديكم..
أبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول : أفديكم
وأهديكم ضيا عيني
ودفء القلب أعطيكم
فمأساتي التي أحيا
نصيب من مآسيكم.
أناديكم
أشد على أياديكم..
أنا ما هنت في وطني
ولا صغرت أكتافي
وقفت بوجه ظلامي
يتيماً ، عارياً ، حافي
حملت دمي على كفي
وما نكست أعلامي
وصنت العشب فوق قبور أسلافي
أناديكم
أشد على أياديكم.

سالم جبران :               كان الجليل ناساً

وتربة وخضرة وماء
وبعد أن حرمت أن أزوره
صار الجليل جنة
وصار حتى ليله ضياء
أقول للقياصر الصغار : ما أضعفكم
قد تحبسون خطوتي
لكن قلبي هائم في وطني
يزور أي بقعة يشاء
يفعل ما يشاء.

معلق 3 :                   ويعيد الفلسطيني اكتشاف الشهادة..

معلق 3 :                  مرة أخرى.. تتوحد النسوة والأرض.. لينبتن أزهاراً ومقاتلين..
معلق 4 :                  وتكر سبحة الشهداء..
عبد الرحيم محمود :      سأحمل روحي على راحـــتي                  وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حيــاة تسر الصـديـق            وإما ممات يغيــظ العدى
لعمــرك إني أرى مصــرعي           ولكن أغذ إليه الخــطى
أرى مصرعي دون حقي السليب             ودون بلادي هو المبتغـى
بقلبي سأرمي وجــوه العـداة         فقلبي حديد ونـاري لظى

لوحة رقم 2

يدخل المعلقان 1 ، 2

معلق 1 :                  تنكسر الأمة.. أعلامها تنتكس..
معلق 2 :                  وتضيع بعد الأرض.. أرض وأرض.
معلق 1 :                  وتشكو رمال سيناء أنينها وغزة..
أمل دنقل :                أيتها العرافة المقدسة..
                             جئت إليك.. مثخناً بالطعنات والدماء
أزحف في معاطف القتلى ، وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف ؛ مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء..
عن فمك الياقوت ؛ عن نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً
                             بالراية المنكسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاة على الصحراء
عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء..
فيثقب الرصاص رأسه.. في لحظة الملامسة !
عن الفم المحشو بالرمال والدماء !!
أسأل يا زرقاء..
عن وقفتي العزلاء بين السيف.. والجدار !
عن صرخة المرأة بين السبي ، والفرار؟
كيف حملت العار..
ثم مشيت؟ دون أن أقتل نفسي؟ دون أن أنهار؟!
ودون أن يسقط لحمى.. من غبار التربة المدنسة؟!
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي.. بالله.. باللعنة.. بالشيطان
لا تغمضي عينيك ، فالجرذان..
تلعق من دمي حساءها.. ولا أردُها !
تكلمي.. لشد ما أنا مهان
لا الليل يخفي عورتي.. ولا الجدران !
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشُدُها..
ولا احتمائي في سحائب الدخان !
تقفز حولي طفلة واسعة العينين.. عذبة المشاكسة
معلق :                     " كان يقص عنك يا صغيرتي.. ونحن في الخنادق
فنفتح الأزرار في ستراتنا.. ونسند البنادق
وحين مات عطشاً في الصحراء المشمسة..
رطب باسمك الشفاه اليابسة..
وارتخت العينان !"

أمل دنقل :                فأين أخفي وجهي المتهم المدان؟
والضحكة الطروب.. ضحكته..
والوجه.. والغمازتان؟!

أيتها النبية المقدسة..
لا تسكتي.. فقد سكت سنة فسنة..
لكي أنال فضلة الأمان
قيل لي : " أخرس.. "
فخرست.. وعميت.. وائتممت بالخصيان !
ظللت في عبيد عبس أحرس القطعان
أجتز صوفها..
أرد نوقها..
أنام في حظائر النسيان
طعامي.. الكسرة ؛ والماء ؛ وبعض التمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة ، والرماة ، والفرسان
دعيت للميدان!
أنا الذي ما ذقت لحم الضان..
أنا الذي لا حول لي أو شان..
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان..
أدعى إلى الموت.. ولم أدع للمجالسة !!
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي.. تكلمي..
فها أنا على التراب سائل دمي
وهو ظميء يطلب المزيدا
أسائل الصمت الذي يخنقني :
" ما للجمال مشيها وئيدا..؟! "
" أجندلاً يحملن أم حديدا..؟! "
فمن ترى يصدقني؟
أسائل الركع والسجودا
أسائل القيودا :
" ما للجمال مشيها وئيدا..؟! "
" أجندلاً يحملن أم حديدا..؟! "

أيتها العرافة المقدسة..
ماذا تفيد الكلمات البائسة؟
قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار..
فاتهموا عينيك يا زرقاء بالبوار !
قلت لهم ما قلت عن مسيرة الأشجار..
فاستضحكوا من وهمك الثرثار !
وحين فوجئوا بحد السيف.. قايضوا بنا..
والتمسوا النجاة والفرار !
ونحن جرحى القلب ؛
جرحى الروح والفم..
لم يبق إلا الموت..
والحطام..
والدمار..
وصبية مشردون يعبرون آخر الأنهار
ونسوة يسقن في سلاسل الأسر ،
وفي ثياب العار
مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات التاعسة !

ها أنت يا زرقاء
وحيدة.. عمياء !
وما تزال أغنيات الحب.. والأضواء
والعربات الفارهة والأزياء !
فأين أخفي وجهي المشوها
كي لا أعكر الصفاء.. الأبله.. المموها..
في أعين الرجال والنساء..
وأنت يا زرقاء..
وحيدة.. عمياء !
وحيدة.. عمياء !

علق 2 :                   تنزف الضفة مع الجليل..
معلق 1 :                  تتعمق جراح الأمة والمهانة..
معلق 2 :                  ويخرج من رحم المعاناة أمل..
معلق 1 :                  وتولد المقاومة من جديد..
معلق 1 :                  كطائر الفينيق يولد من رماد..
 معين بسيسو :           أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وأحمل سلاحي لا يخفك دمي يسيل من السلاح
وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح
وانظر إلى عيني أغمضتا على نور الصباح
أنا لم أمت.. أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح.

فاحمل سلاحك يا رفيقي واتجه نحو القتال
واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال
وأرعد بصوتك يا حماة الأرض هبوا للنضال
يا أيها الموتى أفيقوا : إن عهد الموت زال
ولتحملوا البركان تقذفه لنا حمر الجبال

هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة
للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة
فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة
فانظر تجد علماً يرفرف فوق نار المعركة
ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة
لوحة رقم 3
يدخل المعلقان 3 ، 4

معلق 3 :                  ويعمق الجرح قلب الجسد..
معلق 4 :                  يطل أيلول الأسود بمأساته الغامرة..
معلق 3 :                  فينكأ ابن العم جرحاً ماثلاً.. بجراح قاتلة..
معلق 4 :                  وظلم ذوي القرب أشد وقعاً ومضاضة..
معلق 3 :                  فيهاجر اللاجئ من درب لدرب..
معلق 4 :                  تسلمه لسعات البرد للفحات القيظ..
معلق 3 :                  يسلمه حزن لألم.. وموت لموت..
معلق 4 :                  لكن إرادة الحياة أقوى ، وتنتصر..
محمود درويش : أرى ما أريد من الليل.. إني أرى
نهايات هذا الممر الطويل على باب إحدى المدن
سأرمي مفكرتي في مقاهي الرصيف ؛ سأجلس هذا الغياب
على مقعد فوق إحدى السفن

أرى ما أريد من السلم.. إني أرى
غزالاً وعشباً وجدول ماء.. فأغمض عيني
هذا الغزال ينام على ساعدي
وصياده نائم ؛ قرب أولاده ؛ في مكان قصي

أرى ما أرى من الحرب.. إني أرى
سواعد أجدادنا تعصر النبع في حجر أخضرا
وآباءنا يرثون المياه ولا يورثون ، فأغمض عيني
إن البلاد التي بين كفي من صنع كفي

أرى ما أرى من السجن.. أيام زهره
مضت من هنا كي تدل غريبين فيّ
على مقعد في الحديقة أغمض عيني
ما أوسع الأرض ما أجمل الأرض من ثقب إبره

أرى ما أريد من الدم.. إني رأيت القتيل
يخاطب قاتله مذ أضاءت رصاصته قلبه : أنت لا تستطيع من الآن أن تتذكر غيري.. قتلتك سهواً ولن تستطيع من الآن أن تتذكر غيري... وأن تتحمل ورد الربيع.

محمد جبر الحربي :      هل رأيت الأحرف الزرقاء
توغل في الرحيل؟
وهل رأيت الأمس يطوي يومنا
يطوي خطانا؟
كل شيء للفناء ، فما ترانا
نستمد من البقاء : سوى الرحيل

أنا لا أخاف من الرحيل
فقد تغربت المراكب قبل هذا
واستفاض القلب من وقع البحار
وأوغلت فيه الرياح مع الأصيل
أنا لا أخاف وإنما
أبكيك يا وطناً يسافر كل يوم في دمي
يطوي المراحل
يحتمي في أضلعي
ويطل من عيني
يرنو لاختراق المستحيل
 (قصيدة : إيغال – ديوان الصمت والجنون لمحمد جبر الحربي)

محمد جبر الحربي:       أنا الحوت ما ضمني البحر
أرقص في الرمل
والرقص موت
أنا النورس
أنا الصوت في الفجر
أول صوت
وآخر صوت :
 (قصيدة : حاملة الشهد – ديوان الصمت والجنون لمحمد جبر الحربي)

محمد جبر الحربي:       قصيدة بلا وطن
تكسرت على يدي
ثم استقرت في الزمن
كان للقبيلة ابنتان
أنت ، والخنساء
الخنساء لم تعد
وأنت قبل كل شيء عائدة
منقوشة على الضمير
تنبضين في دمي
وتخرجين من ثنايا الضوء
تجدلين همك البعيد عن جذور الشمس
تعصبين الرأس عن وخز الرؤى
وتحتوين يومك الجديد
(لملمي أطرافه
وتمتمي : لك القلوب عائدة)
في أعين الصغار تركضين
تمسحين قسوة النهار.. تركلين الحزن..
يولد المساء ، والنساء قابعات ، والفراغ سيد
وتركضين
تركض الأيام تسبق الشهيق
تسقطين؟ لا.. أنا بسطت راحتي
فكيف لا أراك /
لا أرى سواك / لا أرى
سوى البياض راكضاً
والجرح يملأ المكان بالزوار..
بالصديد.. بالحديث عن مساء لا يعود.. ينتهي
ويبدأ الصراع.. نلتقي
وجوهنا / وجوههم
ووجهك المليء بالحنان يرتدي شموخه
وأرتدي ملامحي
والناس يرقصون.. أنت في أضلعي
ويرقصون..
حزننا لن يوقف التيار
هذا النهر رافع يديه ، فاغسلوه يهتدي
 (قصيدة : عائدة إلى الفرح البكر – ديوان الصمت والجنون لمحمد جبر الحربي)
لوحة رقم 4
يدخل المعلقان 1 ، 2

معلق 1 :        وتقاتل الأمة موت الهزيمة..
معلق 2 :        تبعث في قلبها نبض القتال..
معلق 1 :        وتنهض العنقاء شامخة من بين الرماد..
معلق 2 :        وتصنع الأمة إرادة جديدة..
معلق 1 :        تصنع الأمة كرامة جديدة..
معلق 2 :        تصنع الأمة تاريخاً للنضال..
معلق 1 :        ومن القتال..
معلق 2 :        تعرف الأمة معنى الانتصار..
معلق 1 :        تعلو الكرامة..
معلق 2 :        سامقة ترفرف بالجلال..
معلق 1 :        وفي رمضان تعلو رايات الإرادة
معلق 2 :        تصنعها قلوب تنبض بالشهادة
معلق 1 :        رجال ترخص الروح لديها
معلق 2 :        لتصنع من قتال الموت أنشودة ريادة
نزار قباني :      أحبك أيتها الغالية
أحبك أيتها الغالية
أحبك مرفوعة الرأس مثل قباب دمشق..
ومثل مآذن مصر..
فهل تسمحين بتقبيل جبهتك العالية؟
وهل تسمحين بنسيان وجهي القديم..
وشعري القديم..
ونسيان أخطائي الماضية
وهل تسمحين بتغيير ثوبك؟
إن حزيران مات..
وإني بشوق لرؤية أثوابك الزاهية..
أحبك أكثر مما ببالك..
أكثر مما ببال البحار.. وبال المراكب
أحبك..
تحت الغبار ، وتحت الرماد ، وتحت الخرائب
أحبك.. أكثر من أي يوم مضى..
لأنك أصبحت حبي المحارب..
(قصيدة : ملاحظات في زمن الحب والحرب– ديوان نزار قباني)
معلق 1 :        وتثبت الأيام أن النصر تصنعه الإرادة..
معلق 2 :        تثبت أن ما تجنيه من واقع هو نبت الفعل..
معلق 1 :        وأن الغد جنين اليوم..
معلق 2 :        وتنهض العنقاء من قلب الرماد..
معلق 1 :        تبث في الوجدان معنى للثبات..  
محمد الثبيتي :  جئت عرافاً لهذا الرمل
استقصي احتمالات السواد
جئت ابتاع أساطير
ووقتاً ورماد
بين عيني وبين السبت طقس ومدينة..
خدر ينساب من ثدي السفينة
هذه أولى القراءات
وهذا ورق التين يبوح
قل : هو الرعد يعري جسد الموت
ويستثني تضاريس الخصوبة
قل : هي النار العجيبة
تستوي خلف المدار الحر تنيناً جميلاً
وبكاره
نخلة حبلى
مخاضاً للحجارة

من شفاهي تقطر الشمس
وصمتي لغة شاهقة تتلو أسارير البلاد
هذه أولى القراءات ، وهذا
وجه ذي القرنين عاد
مشرباً بالملح ، والقطران.. عاد
خارجاً من بين أصلاب الشياطين
وأحشاء الرماد
حيث تمتد جذور الماء
تنفض اشتهاءات التراب
يا غراباً ينبش النار..
يواري عورة الطين وأعراس الذباب
يا دماً يدخل أبراج الفتوحات
وصدراً ينبت الأقمار والخبز الخرافي
وشامات البياض.
(قصيدة : ترتيلة البدء – ديوان التضاريس لمحمد الثبيتي)

محمد الدرة :    أنا خاتم الماثلين على النطع
هذا حسام الخطيئة يعبر خاصرتي
فأسلسل نبعاً من النار يجري دماً
في عروق العذارى
أنا آخر الموت..
أول طفل تسور قامته
فرأى فلك التيه
والزمن المتحجر فيه..
رأى بلداً من ضباب
وصحراء طاعنة في السراب
رأى زمناً أحمراً
ورأى مدناً مزق الطلق أحشاءها
وتقيح تحت أظافرها الماء
حتى أناخ لها النخل أعناقه
فأطال بها ، واستطال
وأفرغ منها صديد الرمال
(قصيدة : البشير – ديوان : التضاريس لمحمد الثبيتي)

محمد الثبيتي :  سلام عليك
أيا مورقاً بالصبايا
ويا مترعاً بلهيب المواويل
أشعلت أغنية العيس ، فاتسع الحلم
في رئتيك
سلام عليك
سلام عليك
مطرنا بوجهك فليكن الصبح موعدنا
للغناء
ولتكن سورة القلب فواحة بالدماء
سلام عليك
سلام عليك فهذا دم الراحلين كتاب
من الوجد نتلوه
تلك مواطئهم في الرمال
وتلك مدافن أسرارهم حينما ذُللت
لهم الأرض ، فاستبقوا أيهم يرد
الماء
ما أبعد الماء
ما أبعد الماء !!
(قصيدة : تغريبة القوافل والمطر – ديوان : التضاريس لمحمد الثبيتي)

محمد الثبيتي :  ابتكر للدماء صهيلاً
تدثر بخاتمة الكلمات
بالبخور الذي يتناسل في الطرقات
ابتكر للرماح صبوحاً
دماءك موغلة في القناديل
وجهك منتجع للغات
ابتكر للطفولة شكلاً..
كتاباً تطارحه الخوف..
تقرأ فيه محاق الكواكب..
تكتب فيه حروف الندم
ابتكر للطفولة عرساً تعلق فيه التمائم..
واللعب الورقية ، والأغنيات.
(قصيدة : المغني – ديوان : التضاريس لمحمد الثبيتي)

لوحة رقم 5
يدخل المعلقان 3، 4

معلق 3 :                  ويسرقون من الأمة نصرها..
معلق 4 :                  ويسرقون من المناضل نبضه..
معلق 3 :                  ويدخلون بين المرء وقلبه..
معلق 4 :                  ويفتتون صخر نصر بالأظافر كان نحته..
معلق 3 :                  ويفصلون بين الأخ وشقيقه..
معلق 4 :                  ويفرطون في ميراث الجد وعرضه
معلق 1 :                  ويعمق الجرح قلب الجسد..
معلق 2 :                  وتحمل الريح الغريب من أرض لأرض..
معلق 1 :                  تحمل معه أريج المرمرية..
معلق 2 :                  لتعانق عطر زعتر..
معلق 1 :                  وإذا العطر يصبح شلال دم..
معلق 2 :                  والشاهد الباقي عليه.. أحمد الزعتر
محمود درويش : مساء صغير على قرية مهملة
                             وعينان نائمتان
 أعود ثلاثين عاماً
وخمس حروب
وأشهد أن الزمان
يخبئ لي سنبلة..
معلق 1 :                  أما زلت تحلم؟
محمود درويش : أحن إلى خبز أمي
وقهوة أمي..
ولمسة أمي..
وتكبر في الطفولة..
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متُ
أخجل من دمع أمي.
معلق 2 :                  أما زلت تحلم؟
محمود درويش : تجرحني غيمة في يدي.. لا
أريد من الأرض أكثر من
هذه الأرض.. رائحة الهال والقش
بيت أبي والحصان
في يدي غيمة جرحتني ولكنني
لا أريد من الشمس أكثر
من حبة البرتقال وأكثر
من ذهب سال من كلمات الأذان

فلسطيني :       ليدين من حجر وزعتر
                   هذا النشيد.. لأحمد المنسي بين فراشتين
أحمد الزعتر :   مضت الغيوم وشردتني
ورمت معاطفها الجبال وخبأتني
.. نازلاً من نخلة الجرح القديم إلى تفاصيل
البلاد ، وكانت السنة انفصال البحر عن مدن
الرماد ، وكننت وحدي
ثم وحدي..
فلسطيني :       آه يا وحدي ، وأحمد..
                   كان اغتراب البحر بين رصاصتين
مخيماً ينمو ، وينجب زعتراً ومقاتلين
وساعداً يشتد في النسيان
ذاكرة تجيء من القطارات التي تمضي
وأرصفة بلا مستقبلين وياسمين
كان اكتشاف الذات في العربات
أو في المشهد البحري
في ليل الزنازين الشقيقة
في العلاقات السريعة
والسؤال عن الحقيقة
في كل شيء.. كان أحمد يلتقي بنقيضه
عشرين عاماً.. كان يسأل
عشرين عاماً.. كان يرحل
عشرين عاماً.. لم تلده أمه إلا دقائق
في إناء الموت
وانسحبت
يريد هوية فيصاب بالبركان
أحمد الزعتر :   سافرت الغيوم وشردتني
ورمت معاطفها الجبال وخبأتني
أنا أحمد العربي
أنا الرصاص البرتقال الذكريات
وجدت نفسي قرب نفسي
فابتعدت عن الندى ، المشهد البحري
تل الزعتر الخيمة
وأنا البلاد وقد أتت
وتقمصتني
وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد
وجدت نفسي ملء نفسي
فلسطيني :       لم تأت أغنيتي لترسم أحمد الكحلي في الخندق
الذكريات وراء ظهري ، وهو يوم الشمس والزنبق
يا أيها الولد الموزع بين نافذتين
لا تتبادلان رسائلي
المجموعة :      قاوم
                   إن التشابه للرمال ، وأنت للأزرق
أحمد الزعتر :   وأعد أضلاعي ، فيهرب من يدي بردى
وتتركني ضفاف النيل مبتعدة
وأبحث عن حدود أصابعي
فأرى العواصم كلها زبداً
فلسطيني :       يا أحمد العربي
لم يكذب علي الحب لكن كلما جاء المساء
أمتصني جرس بعيد
والتجأت إلى نزيفي كي أحدد صورتي
يا أحمد العربي
لم أغسل دمي من خبز أعدائي
ولكن كلما مرت خطاي على طريق
فرت الطرق البعيدة والقريبة
كلما آخيت عاصمة.. رمتني بالحقيبة
فالتجأت إلى رصيف الحلم والأشعار
كي أمشي إلى حلمي ، فتسبقني الخناجر
آه من حلمي ومن روما
جميل أنت في المنفى
قتيل أنت في روما
وحيفا من هنا بدأت
وأحمد سُلم الكرمل
وبسملة الندى ، والزعتر البلدي ، والمنزل
كان المخيم جسم أحد
كانت دمشق جفون أحمد
 كان الحجاز ظلال أحمد
صار الحصار مرور أحمد
فوق أفئدة الملايين الأسيرة
صار الحصار هجوم أحمد
والبحر طلقته الأخيرة

يا خضر كل الريح
يا أسبوع سكر
يا اسم العيون ، ويا رخامي الصدى
يا أحمد المولود من حجر وزعتر
المجموعة :      ستقول : لا
ستقول : لا
أحمد الزعتر :   جلدي عباءة كل فلاح سيأتي من حقول النبع
كي يلغي العواصم
المجموعة :      وتقول : لا
أحمد الزعتر :   جسدي بيان القادمين من الصناعات الخفيفة
                   والتردد والملاحم
نحو اقتحام المرحلة
المجموعة :      وتقول : لا
أحمد الزعتر :   ويدي تحيات الزهور وقنبلة
                   مرفوعة كالواجب اليومي ضد المرحلة
المجموعة :      وتقول : لا
الفلسطيني :     يا أيها الجسد المضرج بالسفوح
وبالشموس المقبلة
المجموعة :      وتقول : لا
الفلسطيني :     باأيها الجسد الذي يتزوج الأمواج
فوق المقصلة
وتقول : لا
المجموعة :      وتقول : لا
الفلسطيني :     وتقول : لا
المجموعة :      وتقول : لا
الفلسطيني :     يا أحمد اليومي
                   يا اسم الباحثين عن الندى وبساطة الأسماء
يا اسم البرتقالة
يا أحمد العادي
كيف محوت هذا الفارق اللفظي بين الصخر والتفاح
بين البندقية والغزالة
المجموعة :      يا أحمد العربي.. قاوم
أحمد الزعتر :   لا وقت للمنفى وأغنيتي
                   ستذهب في الحصار
حتى رصيف الخبز والأمواج
تلك مساحتي ومساحة الوطن الملازم
موت أمام الحلم
أو حلم يموت على الشعار
فاذهب عميقاً في دمي ، واذهب عميقاً في الطحين
لنصاب بالوطن البسيط ، وباحتمال الياسمين
الفلسطيني :     وله انحناءات الخريف
المجموعة :      له وصايا البرتقال
الفلسطيني :     له القصائد في النزيف
المجموعة :      له تجاعيد الجبال
الفلسطيني :     له الهتاف
المجموعة :      له الزفاف
الفلسطيني :     له المجلات الملونة
المجموعة :      المراثي المطمئنة
الفلسطيني :     ملصقات الحائط
المجموعة :      العلم
الفلسطيني :     التقدم
المجموعة :      فرقة الإنشاد
الفلسطيني :     مرسوم الحداد
المجموعة :      وكل شيء.. كل شيء.. كل شيء
الفلسطيني :     يا أحمد المجهول
كيف سكنتنا عشرين عاماً واختفيت
وظل وجهك غامضاً مثل الظهيرة
يا أحمد السري مثل النار والغابات
أشهر وجهك الشعبي فينا
واقرأ وصيتك الأخيرة
يا أيها المتفرجون تناثروا في الصمت
وابتعدوا قليلاً عنه كي تجدوه فيكم
حنطة ويدين عاريتين
وابتعدوا قليلاً عنه كي يتلو وصيته
على الموتى إذا ماتوا
وكي يرمي ملامحه
على الأحياء إن عاشوا
أخي أحمد
وأنت العهد والمعبد
متى تشهد
متى تشهد
متى تشهد.
لوحة رقم 6
يدخل المعلقان 1، 2
معلق 1 :        وتولد المأساة من رحم الحياة
معلق 2 :        ويقمع الخونة ظنون الحالمين
معلق 1 :        وفي صبرا يكتوي المظلوم بجمر الخائنين
معلق 2 :        وتروى شاتيلا بدم يراق بلا حساب ، ولا ضمير
الفلسطينية :     غابة الزيتون كانت مرة خضراء
كانت والسماء
غابة زرقاء.. كانت يا حبيبي
ما الذي غيرها هذا المساء؟
الفلسطيني :     أوقفوا سيارة العمال في منعطف الدرب
وكانوا هادئين
وأدارونا إلى الشرق ، وكانوا هادئين
الفلسطينية :     كان قلبي مرة عصفورة زرقاء.. يا عش حبيبي
ومناديلك عندي كلها بيضاء.. كانت يا حبيبي
ما الذي لطخها هذا المساء؟
أنا لا أفهم شيئاً يا حبيبي ‍‍‍‍
الفلسطيني :     أوقفوا سيارة العمال في منعطف الدرب
وكانوا هادئين
وأدارونا إلى الشرق ، وكانوا هادئين
الفلسطينية :     لك مني كل شيء
لك ظل.. لك ضوء
خاتم العرس وما شئت
وحاكورة زيتون وطين
وسآتيك كما في كل ليلة
أدخل الشباك في الحلم ، وارمي لك فله

الفلسطيني :     أوقفوا سيارة العمال في منعطف الدرب
وكانوا هادئين
وأدارونا إلى الشرق ، وكانوا هادئين
الفلسطينية :     لا تلمني إن تأخرت قليلاً
إنهم قد أوقفوني
الفلسطيني :     أوقفوا سيارة العمال في منعطف الدرب
وكانوا هادئين
وأدارونا إلى الشرق ، وكانوا هادئين
الفلسطينية :     غابة الزيتون كانت دائماً خضراء
كانت يا حبيبي
إن خمسين ضحية
جعلتها في الغروب
بركة حمراء.. خمسين ضحية
يا حبيبي.. لاتلمني
قتلوني.. قتلوني
الفلسطيني :     قتلوني.

لوحة رقم 7
يدخل المعلقان 1، 2

معلق 1 :                  ويصبح الدم الفلسطيني ماء يحي..
معلق 2 :                  ويحمل الفلسطيني قدره..
معلق 1 :                  ويحفظ ماء وجهنا بقذف حجره..
معلق 2 :                  ويصنع مجدنا من تكرار موته..
معلق 1 :                  ويصبح موته معنى وحيداً للكرامة..
معلق 2 :                  ومن وجبة الموت الصباحية..
معلق 1 :                  من وجبة الموت اليومية..
معلق 2 :                  من وجبة الموت المسائية..
معلق 1 :                  يبلغنا رسالة..
صلاح عبد الصبور :      يأتي من بعدي من يعطي الألفاظ معانيها
يأتي من بعدي من لا يتحدث بالأمثال
إذ تتأبى أجنحة الأقوال
أن تسكت في تابوت الرمز الميت
يأتي من بعدي من يبري فاصلة الجملة
يأتي من بعدي من يغمس مدات الأحرف في النار
يأتي من بعدي من ينعي لي نفسي
يأتي من بعدي من يضع الفأس برأسي
يأتي من بعدي من يتمنطق بالكلمة
ويغني بالسيف

كهان الكلمات الكتبة
جهال الأروقة الكذبة
وفلاسفة الطلسمات
والبلداء الشعراء
جرذان الأحياء
وتماسيح الأموات
أقعوا - في صحن المعبد – مثل الدببة
حكوا أقفيتهم ، وتلاغوا كذباب الحانات
حتى ألقوا ببقايا قيئهم العنين
في رحم الحق
في رحم الخير
في رحم الحرية

محمد الدرة :             لا أملك أن أتكلم
فلتتكلم عني الريح
لا يمسكها إلا جدران الكون
لا أملك أن أتكلم
فليتكلم عني موج البحر
لا يمسكه إلا الموت على حبات الرمل
لا أملك أن أتكلم
فلتتكلم عني قمم الأشجار
 لا يحني هامتها إلا ميلاد الأثمار
لا أملك أن أتكلم
فليتكلم عني صمتي المفعم

لا.. لا.. لا أملك إلا أن أتكلم
يا أهل مدينتنا
يا أهل مدينتنا
هذا قولي :
انفجروا أو متوا
رعب أكبر من هذا سوف يجيء
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بإعالي جبال الصمت
أو ببطون الغابات
لن ينجيكم أن تختبئوا في حجراتكم..
أو تحت وسائدكم ، أو في بالوعات الحمامات
لن ينجيكم أن تلتصقوا بالجدران ؛ إلى أن
يصبح كل منكم ظلاً مشبوحاً عانق ظلاً
لن ينجيكم أن ترتدوا أطفالاً
لن ينجيكم أن تقصر هاماتكم حتى تلتصقوا بالأرض
أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكمو في سم الإبرة
لن ينجيكم أن تضعوا أقنعة القردة
فانفجروا أو موتوا.
محمد الدرة :             يا سيدنا القادم من بعدي
 أصففت لتنزل فينا أجنادك؟
-       لا إني أنزل وحدي
-       يا سيدنا القادم من بعدي
محمد الدرة :             هل ألجمت جوادك؟
-       لا.. ما زال جوادي مرخي بعد
محمد الدرة :             يا سيدنا.. هل أشرعت حسامك ،
أو أحكمت لثامك؟
-       لا.. سيفي لم يبرح جفن الغمد
وأنا لا أكشف عن وجهي إلا في أوج المجد
أو في بطن اللحد
محمد الدرة :             يا سيدنا هل أعددت خطابك ، أو نمقت كلامك؟
-       لا.. كلماتي لا تولد أو تنفذ.
محمد الدرة :             يا سيدنا.. الصبر تبدد
والليل تمدد
-       أنا لا أهبط إلا في منتصف الليل
في منتصف الوحشة
في منتصف اليأس
في منتصف الموت
محمد الدرة :             يا سيدنا.. إما أن تدركنا قبل الرعب القادم
أو لن تدركنا بعد
                             يا سيدنا القادم من بعدي
أنا أصغر من ينتظرونك في شوق محموم
لا مهنة لي إذ أني الآن نزيل الموت (السجن)
متهما بالنظر إلى المستقبل
لكني أكتب لك
باسم الفلاحين، وباسم الملاحين
باسم الحدادين ، وباسم الحلاقين
والحمارة ، والبحارة
والعمال ، وأصحاب الأعمال
والأعيان ، وكتاب الديوان
والبوابين ، وصبيان البقالين
وباسم الشعراء ، وباسم الخفراء
نرجو أن تأتي ، بأقصى سرعة
فالصبر تبدد
واليأس تمدد
إما أن تدركنا الآن
أو لن تدركنا بعد
حاشية : لا تنسى أن تحمل سيفك
(قصيدة : يوميات نبي مهزوم - مسرحية ليلى والمجنون)

الفلسطيني :               يا أحمد المجهول
يا أحمد السري مثل النار والغابات
أشهر وجهك الشعبي فينا
واقرأ وصيتك الأخيرة
لوحة رقم 8

لا تصالح
 (1)
لا تُصالحْ !
.. و لو منحوكَ الذهَبْ
أتُرى حين أفقأُ عينيكَ ،
ثم أثبِّتُ جوهرتين مكانَهما..
هل تَرَى..؟
هي أشياءُ لا تُشترى.. :
ذكرياتُ الطفولةِ بين أخيكَ و بينكَ ،
حسُّكُما ـ فجأة ـ بالرجولةِ ،
هذا الحياءُ الذي يكبتُ الشوقَ.. حين تعانقُهُ ،
الصمتُ ـ مبتَسمينْ ـ لتأنيب أمكما..
و كأنكما
ما تزالان طفلين !
تلك الطمأنينةُ الأبديةُ بينكما :
                أنّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
إنك إنْ متَّ :
                للبيت ربّ
و للطفل أبْ.
هل يصيرُ دمي ـ بين عينيكَ ـ ماءً؟
أتنسى ردائي الملطخَ..
تلبسُ ـ فوق دمائي ـ ثياباً مطرزَةً بالقصبْ؟
إنها الحربُ !
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عارَ العرب
لا تصالحْ
و لا تتوخَّ الهَرَبْ !

(2)
لا تصالح على الدمِ.. حتى بدمْ !
لا تصالحْ ! و لو قِيلَ رأسٌ برأسٍ !
أكُل الرؤوس سواءٌ؟!
أقلب الغريبِ كقلبِ أخيكَ؟!
أعيناه عينا أخيكَ؟!
و هل تتساوى يدٌ.. سيفُها كَان لَكْ
بيدٍ سيفُها أثكَلَكْ؟
سيقولونَ :
جئناكَ كي تحقن الدم..
جئناكَ. كُنْ ـ يا أميرُ ـ الحَكَمْ      
سيقولون :
ها نحن أبناء عمْ.              
قل لهم : إنهم لم يُراعوا العمومةَ فيمن هَلَكْ.
و اغرس السيفَ في جبهة الصَّحراءِ..
إلى أن يجيب العَدمْ.
إنني كنتُ لَكْ
فارساً.
و أخاً.
و أباً.
و مَلِكْ !

(3)
لا تصالح..
و لو حَرَمتْكَ الرقادْ
صرخاتُ الندامةْ
و تذكَّرْ
(إذا لان قلبُك للنسوةِ اللابساتِ السوادْ و لأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيكَ (اليمامة)
زهرةٌ تتسربل ـ في سنوات الصبا ـ
بثيابِ الحدادْ.
كنتُ ، إن عدتُ :
تعدو على دَرَجِ القصرِ ،
تمسكُ ساقي عند نزولي..
فأرفعها ـ و هي ضاحكة ـ
فوق ظهر الجوادْ.              
ها هي الآن.. صامتةٌ.
حرمتها يدُ الغدرِ :
من كلماتِ أبيها ،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ ،  
من أن يكون لها ـ ذات يوم ـ أخٌ !
من أبٍ يَتَبَسَّمُ في عرسها..
و تعُود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
و إذا زارها.. يتسابق أحفادهُ نحو أحضانهْ ،
لينالوا الهدايا..
و يلهوا بلحيته (و هو مستسلمٌ).
و يشدُّوا العمامة.
لا تصالح !
فما ذنبُ تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقاً.. فجأةً ،
و هي تجلس فوق الرمادْ؟!

(4)
لا تصالحْ
و لو توَّجوكَ بتاج الإمارة.
كيف تخطو على جثةِ ابنِ أبيكَ..؟
و كيف تصير المليك..
على أوجُهِ البهجةِ المستعارة؟
كيف تنظر في يدِ من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كلِّ كفْ؟
إن سهماً أتاني من الخلفْ..
سوف يجيئُكَ من ألفِ خَلفْ.
فالدمُ ـ الآن ـ صار وساماً و شارة.
لا تصالحْ ،
و لو توَّجوكَ بتاج الإمارة
إن عرشَكَ : سيفٌ
و سيفَكَ : زيفٌ
إذا لم تَزِنْ ـ بذؤابته ـ لحظاتِ الشرفْ
و استطَبتَ ـ الترفْ

(5)
لا تصالح
و لو قال مَنْ مال عند الصدامْ
((.. ما بنا طاقةٌ لامتشاقِ الحسامْ..))
عندما يملأ الحقُّ قَلبكَ :
تندلع النارُ إن تَتَنفَّسْ.
... س لا تصالحْ ،
و لو قيلَ ما قيلَ من كلمات السلامْ.
كيف تستنشقُ الرئتانِ النسيمَ المُدَنَّسْ؟
كيف تنظرُ في عيني امرأةٍ..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تُصْبح فارسَها في الغرام؟
كيف ترجو غداً.. لوليدٍ ينام
ـ كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
و هو يكبُر ـ بين يديك ـ بقلب مُنَكَّسْ؟
لا تصالحْ
و لا تقتسم مع من قتلوكَ الطعام.
و اروِ قلبَك بالدمْ..
و اروِ الترابَ المقدَّسْ..
و اروِ أسلافَكَ الراقدينَ..
إلى أن تردَّ عليكَ العِظام !

 (6)
لا تصالحْ ،
و لو ناشَدَتْكَ القبيلة
باسم حزنِ ((الجليلة))
أن تسوق الدهاءَ ،
و تُبْدي ـ لمن قصَدوكَ ـ القَبُولْ.
سيقولونَ :
ها أنتَ تطلبُ ثأراً يطولْ.
فخُذْ ـ الآنَ ـ ما تستطيعُ :
قليلاً من الحقِّ..
في هذه السنواتِ القليلة.
إنه ليس ثأرَكَ وحدَك ،
لكنه ثأر جيلٍ فجيلُ.
و غداً..
سوف يولدُ من يلبسُ الدرعَ كاملةً ،
يوقد النَار شاملةً ،
يطلب الثأر ،
يستولد الحقَّ ،
من أضلعِ المستحيلْ.
لا تصالحْ ،
و لو قيلَ إن التصالح َ حيلةْ.
إنه الثأرُ.
تبهتُ شعلتهُ في الضلوعِ..
إذا ما توالتْ عليها الفصولْ..
ثم تبقى يدُ العارِ مرسومةً (بأصابعها الخمسِ)
فوق الجباهِ الذليلةْ !
(7)
لا تصالحْ ، و لو حذَّرَتْكَ النجومْ
و رمى لَك كُهَّانُها بالنبأ..
كنتُ أغفر لو أنني مِتُّ..
ما بين خيطِ الصواب و خيطِ الخطأ.
لم أكن غازياً ،
لم أكن أتسلَّلُ قربَ مضاربِهمْ.
أو أحومُ وراءَ التخومْ
لم أمدّ يداً لثمار الكرومْ
أرضَ بستانِهم لم أطَأ
لم يَصِحْ قاتلي بي : ((انْتَبِهْ)) !
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
و لكنه في الغصونِ اختبأ !
فجأةً :
ثَقَبَتْني قُشَعْريرة بين ضلعين...
و اهتزَّ قلبي ـ كَفُقَاعةٍ ـ و انْفَثَأ.
و تحاملتُ ، حتى احتملتُ على ساعديّ
فرأيتُ : ابنَ عمي الزنيمْ
واقفاً يتشفَّى بوجهٍ لئيمْ
لم يكن في يدي حربةً ،
أو سلاحٌ قديم ،
لم يكن غيرُ غيظي الذي يَتَشكى الظَّمأ.
(8)
لا تصالحْ ،
إلى أن يعودَ الوجودُ لدورته الدائرة :
النجومُ.. لميقاتِها
و الطيورُ.. لأصواتِها
و الرمال لذراتِها
و القتيلُ لطفلته الناظرةْ.
كلُّ شئ تحطَّمَ في لحظةٍ عابرة :
الصبا ـ بهجةُ الأهل ـ صوتُ الحصان ـ التعرُّفُ بالضيفِ ـ همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي ـ الصلاةُ لكي ينزلَ المَطَرُ الموسِميُّ ـ مراوغة القلب حين طائرَ الموتِ
و هو يرفرفُ فوق المبارزة الكاسرةْ.
كلُّ شئ تحطم في نزوةٍ فاجرة.
و الذي اغتالني : ليس ربّاً..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنْبلَ منّي.. ليقتلني بِسكينتِهِ ،
ليس أمهَر منّي.. ليقتلَني باستدارتِه الماكرَةْ
لا تصالحْ ،
فما الصلحُ إلا معاهدةٌ بين ندَّيْنِ..
(في شرف القلبِ)
لا تُنْتَقَصْ
و الذي اغتالني مَحْضُ لصّ
سَرَقَ الأرض من بين عينيَّ
و الصمتُ يُطلقُ ضحكته السَّاخِرةْ !

(9)
لا تصالحْ ،
و لو وَقَفَت ضدّّ سَيْفِكَ كلُّ الشيوخْ ،
و الرجالُ التي ملأتها الشروخْ ،
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم ،
و سيوفهم العربية قد نَسيت سنوات الشموخ
لا تصالحْ ،
فليس سوى أن تريدْ.
أنت فارسُ هذا الزمانِ الوحيدُ
و سواكَ.. المسوخ !
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ !

خاتمة


وكما كان الأبطال القدماء
ممن حفظت سيرتهم قصص الشعراء الجوالين وأسمار الفقراء
سنودع قتلانا.. نتهشم فوق شواهدهم حزناً مكبوحاً وأنيناً
ثم نجمع ما ذاب حنيناً من أنفسنا ونغني ،
فالمعركة المحتدمة
لا تمهلنا حتى نمنح أخواناً شرفاء
ما هم أهل له
من دمع وبكاء
والآن
لنودع من ضاعوا منا في طرق الوحشة
ولنذكر أنا قدمناهم قرباناً للريح
كي تجتاز بنا البحر إلى مدن المستقبل
(قصيدة : يوميات نبي مهزوم - مسرحية ليلى والمجنون)

الختام
قصيدة سنرجع يوماً بصوت فيروز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق