الثلاثاء، 11 يناير 2011


حاجتنا للمعرفة
نظرية المعرفة.. الأبستمولوجي

استنفرت المحطات التليفزيونية العربية نفسها منذ فترة لمناقشة قضايا التعليم؛ بعدما جاءت مطالبات العم سام بإعادة النظر في هذه المناهج، ورغم حاجتنا الماسة لإعادة النظر في هذه المناهج كان لازماً أن يلفت نظرنا أبانا الذي في البنتاجون لهذه الحاجة حتى نلتفت.
وكان للفضائيات المصرية دور بارز في هذا المجال، وبرزت على وجه الخصوص عدة لقاءات قدمتها الإعلامية اللامعة هالة سرحان في قناة دريم الفضائية؛ إلا أن اختلال المعايير كان هو السمة الواضحة على هذه البرامج الحوارية وذلك لسببين أصيلين:
الجمع بين النقائض:
حرصت هذه البرامج على الجمع بين ما لا يجتمع في صيغة ذكرتنا بحديقة الحيوان المفتوحة، أو بتحالف قوى الشعب العامل وغير العامل، فمع الفيلسوف الرافض بعلمية ووعي لمنطق المطلق، والذي يؤذن في مالطة، مطالباً بتعليم مبني على الابتكار؛ هناك السفير السابق الذي يرى أن إتاحة التعليم للجميع جُرم لا يغتفر، ويُدين طه حسين لدعوته جعل التعليم كالماء والهواء، وثالثة الأثافي دكتور الجيولوجيا الذي لا يعرف معنى مسمى درجته العلمية PHD (التي تعني فيلسوف في العلم) حيث يتنكر للفلسفة جملة وتفصيلاً، ويمارس مغالطة منطقية أولية يحاول فيها الربط بين الثابت والمتغير دون إدراك للنتيجة الحتمية لهذا الخلط، ويقدم للمشاهدين نجارة فكرية رديئة؛ من خامات تآكلها السوس بدعوته لعودة الكتاتيب –أداة التلقين والحفظ الرئيسة– كمؤسسة تعليم أساسية.
غياب المنهج، وفوضى المصطلح:
لم يحاول أي من البرامج هذه ولا حتى الحضور، تأسيس منهج للحوار، أو للتعرف على الثقافة المنتجة للمعرفة في واقعنا، واستُخدم المصطلح العلمي استخداماً هلامياً دون ضبط، وتباينت تبعاً لذلك استخدامات المصطلح من استخدام دقيق يعيه البعض بعلمية ودقة؛ إلى استخدام مهلهل متسيب ينم عن جهل مطلق للبعض الآخر.
ولأن المعرفة العلمية بين قطاع كبير من المثقفين، ومنهم أكاديميين متخصصين (ويُقصد بها المعرفة على أسس علمية سواء في العلوم الطبيعية أو الإنسانية) تعيش حالة كارثية – من وجهة نظري على الأقل– يسودها الفوضى وأمية المصطلح، حاولت أن أُعرف ببعض المصطلحات الأساسية بشكل مُعجمي، يساهم في ردم الفجوة المعرفية التي تفصل بين قطاع كبير من المثقفين، وأدوات الثقافة الحقيقية، وهذه المحاولة في التعريف بالأبستمولوجي.. محاولة أولى.. عساها تحقق شيئاً.
تنقسم كلمة ابستمولوجي اليونانية الأصل Epistemology إلى قسمين الأول Episteme ويعني المعرفة، والثاني Logos بمعنى النظرية، والابستومولوجي فرع من فروع الفلسفة معني بالمشكلات الفلسفية المتعلقة بالمعرفة، وأساليب تحققها.
ويختص الأبستمولوجي بتحديد التعريفات والمفاهيم الخاصة بـ:
1.        المعلومة ( المعرفة)  Knowledge.
2.       المفاهيم المتفرعة من المعلومة  Related concepts.
3.       مصادر المعلومة  Sources.
4.        خصائص المعلومة  Criteria.
5.       أنواع المعلومات المتاح معرفتها.
6.      درجة مصداقية المعلومات   Certainty.
7.       العلاقة بين موضوع المعلومة (المعرفة) والشخص المتعلم أو الذي يقوم بالحصول على المعرفة.
وقد تناول الإغريق المواضيع الفلسفية المتعلقة باحتمالات الوجود والمعرفة الموضوعية بالبحث، فجادل أستاذ البلاغة والخطابة الفيلسوف السوفسطائي جورجياس Gorgias في القرن الخامس قبل الميلاد (380-485 ق.م) حول حقيقة وجود الأشياء، وادعى بأن الأشياء لا توجد في الواقع؛ لأنها قد توجد ولا تعرف، وفي بعض الأحيان تعرف لكن يستحيل نقل المعرفة بها.
أما بروتاجوراس Protagoras (411-480 ق.م) أول من سمى نفسه سوفسطائياً  Sophis فقد قال باستحالة أن تكون وجهة نظر معينة أكثر صحة من وجهة نظر أخرى، لأن كل وجهة نظر تمثل حكماً فريداً على الموضوع، وأن هذا الحكم نتاج خبرة فردية خالصة.
وتصدى أفلاطون Plato على خطى أستاذه العتيد سقراط Socrates للسوفسطائيين، وتبنى الرد على فرضياتهم عن العالم غير المتحول، وأشكاله غير المرئية، وأفكارهم عن عدم إمكانية الحصول على معرفة محددة ودقيقة، وقال إن الأشياء التي نشاهد، أو نلمس ليست إلا نسخاً منقوصة من النماذج الكاملة التي ندرسها في الرياضيات والفلسفة، وبناء على ذلك فإن البحث العقلي المجرد فقط هو الذي يقودنا لمعرفة أصلية حقيقية، وأن اعتمادنا على الإدراك الحسي Sense perception للحصول على المعرفة، يشوش وجهات نظرنا، ويجعلها غير مستقرة، وخَلُص إلى أن التأمل الفلسفي Philosophical contemplation في عالم الأشكال غير المرئية هو أرقى أهداف الحياة الإنسانية.
تابع أرسطوAristotle  السير على خطى أفلاطون، ووافقه أن المعرفة المجردة Abstract knowledge لا يرقى إليها مستوى آخر من مستويات المعرفة، واختلف معه حول أسلوب الوصول للمعرفة المجردة؛ إذ رأى أرسطو أن المعارف كلها نتاج للخبرة  Experienceوأن المعلومات يمكن الحصول عليها إما مباشرة باستخلاصها من موضوع المعرفة، أو بشكل غير مباشر باستنباط حقائق جديدة من المعارف المتوفرة فعلياً عن موضوع المعرفة باستخدام قواعد المنطق Rules of logic والالتزام الصارم بها مع الملاحظة الدقيقة، ووضع أرسطو لأول مرة قواعد المنطق في نسق منتظم، يستهدف حماية الباحث، أو المفكر من الوقوع في الخطأ المنهجي، وانتقد بشدة السوفسطائيين ومغالطاتهم معتبراً إياها شراكاً فكرية.
وافق الأبيقوريون Epicurean  والرواقيون Stoic  أرسطو و أفلاطون على أن منشأ المعرفة هو الإدراك الحسي؛ إلا أنهم خالفوهم الرأي حول وظيفة الفلسفة، وقالوا إنها دليل عملي للحياة، وليست هدفاً في حد ذاتها، و يجب ألا تكون كذلك.
مضت قرون بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية تراجع خلالها الاهتمام بالمعرفة العلمية والعقلانية حتى أعاد عدد من فلاسفة القرون الوسطى في مقدمتهم الفيلسوف السكولائي Scholastic القديس توما الإكويني Saint Thomas Aquinas الاحترام للعقل، والثقة به، والتقدير لأهمية الخبرة المعرفية، ومزجوا بين الأساليب العقلانية، والعقائد الدينية، وابتكروا نظاماً عقائدياً من هذا المزيج، واحتذى توما الإكويني حذو أرسطو في اعتبار الإدراك الحسي نقطة البدء في العملية المنطقية، واعتبار الإدراك الحسي نشاطاً عقلياً واعياً Intellectual procedure  ينتج عن التعرف على الطبيعة؛ إلا أنه اعتبر النصوص المقدسة مصدر الإيمان بالعقيدة الدينية.

العقل في مواجهة الإدراك الحسي REASON VERSUS SENSE PERCEPTION  :
ظلت القضية الرئيسية في الأبستمولوجي طوال الفترة من القرن السابع عشر حتى التاسع عشر تناقش أيهما ينتج المعرفة.. أهو العقل Reason  المنتج للأفكار؛ أم الحواس Sense مصدر الإدراك الحسي Perception.
تمثل تيار العقلانيين Rationalists في عدد من الفلاسفة الرواد من أهمهم الفرنسي رينيه ديكارت René Descartes  والألمانيان باروخ سبينوزاBaruch Spinoza  وجوتفريد فيلهلم ليبنيز Gottfried Wilhelm Leibniz وكانت وجهة نظرهم أن مصدر المعرفة، والاختبار الأساسي لها هو الاستدلال العقلي، المعتمد على مبادئ الاستنتاج الذاتي، أو البديهيات Axioms.
وتمثل التيار الآخر المؤيد للإدراك الحسي للمعرفة في التجريبيين الأمبريقيين Empiricists وكانت ريادتهم في الإنجليزيين فرانسيس باكون Francis Bacon  وجون لوك John Locke وتحددت رؤيتهم في أن المصدر الأصلي لإدراك المعرفة هو الحواس.
وقد أسس باكون لعصر علمي جديد بنقده الاعتماد على تقاليد ومرجعيات القرون الوسطى، وأرسى قواعد جديدة للمنهج العلمي أبرزها سلسلة قواعد المنطق الاستقرائي Inductive logic كقاعدة لتوليد المعرفة لم يسبقه إليها أحد من قبل، وهاجم وجهة نظر العقلانيين التي ترى إدراك عناصر المعرفة ذاتي الوجود، معتبراً أن عناصر المعرفة نتاجاً للخبرة الحسية التي تأخذ أحد شكلين:
·         الشكل الأول لإنتاج المعرفة: خارج الذات نتيجة الخبرة بالبيئة المحيطة التي تطبع عناصرها أثرها الحسي على العقل.
·         الشكل الثاني لإنتاج المعرفة: داخل الذات وتنتج عن خبرة ذاتية تتركها الحواس على العقل أثناء أدائه لوظائفه.
وبين باكون أن المعرفة البشرية بالأشياء الفيزيقية المحيطة بالوجود الإنساني عرضة لخطأ الحواس في التمييز، مستخلصاً نتيجة مفادها أن الإنسان عاجز عن إدراك المعرفة المطلقة الأكيدة بالعالم الفيزيقي.
نشأ في المقابل حوار بين لوك، والفيلسوف الإيرلندي جورج بركلي George Berkeley  الذي وافق لوك وخالفه في نفس الوقت؛ إذ وافقه على أن المعرفة نتاج للأفكار، وأنكر عليه اعتقاده بانفصال الأفكار عن الأشياء التي تعبر عنها.
وواصل الفيلسوف البريطاني دافيد هيومDavid Hume    العمل بالتقاليد التجريبية الإمبريقية؛ إلا أنه رفض وجهة نظر بركلي التي ترى المعرفة نتاجاً خالصاً للأفكار دون غيرها، وكانت وجهة نظر هيوم أن المعرفة تنقسم قسمين:
الأول: المعرفة بالعلاقات بين الأفكار: وتمثلها معارف الرياضيات والمنطق، وتتميز بالدقة والثبات؛ إلا أنها لا تقدم معلومات عن العالم المحسوس.
الثاني: المعرفة بحقائق كينونة الأشياء: وتنتج من الإدراك الحسي بالحواس الخمس للأشياء الفيزيقية.
وأوضح هيوم أن أغلب المعارف عن (كينونة الأشياء) تعتمد على السببية أي ارتباط النتائج بمقدماتها، أو أسبابها Cause and effect وأن المعرفة الأكيدة بكينونة الأشياء المتوقعة مستقبلاً غير ممكنة حيث لا توجد علاقة منطقية بين أي سبب معلوم لما سيحدث مستقبلاً، ونتائجه المحتملة؛ لذلك قد لا تظل القوانين العلمية بذات القدر من الصحة والموثوقية بمرور الزمن، وكان هذا الاستنتاج ثورة أثرت تأثيراً بالغاً على الفلسفة.
حاول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت Immanuel Kant الخروج من المأزق الذي صنعه لوك، وعمقه هيوم محاولاً حل المعضلة التي صنعاها، وكان الحل من وجهة نظره دمج العناصر العقلية بالتجريبية، إذ وافق العقلانيين على إمكانية الوصول لمعرفة دقيقة ثابتة، وأقر في ذات الوقت وجهة النظر التجريبية الإمبريقية التي تقول بأن هذه المعرفة إخبارية Informative  عن بنية التفكير ذاته أكثر من  قيامها بالتعريف بالعالم الطبيعي خارج نطاق التفكير، وميز بين ثلاثة أنواع من المعرفة:
·   معرفة قبلية تحليلية Analytical priori : وتتميز بالدقة والثبات إلا أنها غير كافية للتعليم Uninformative حيث لا توضح إلا ما يتضمنه التعريف Definition.
·         معرفة بعدية مُخلقة Synthetic posteriori : وتُنتج معلومات عن العالم الخارجي نتيجة التعلم من الخبرات، وهي عرضة للوقوع في الخطأ بسبب اعتمادها على الحواس.
·   معرفة قبلية مُخلقة priori Synthetic : وتنتج عن الحدس الخالص Pure intuition وتتميز بالدقة والثبات لأنها تعبر عن الحالات الأساسية التي تنطبع على العقل نتيجة الخبرة بالأشياء، وطبقاً لكانط فهذا النوع من المعرفة تنتجه الفلسفة والرياضيات.
كان الجدل الفلسفي حول المعرفة القبلية المُخلقة حامياً، ينقطع لفترات ثم يعود متسائلاً عما إذا كان هذا النوع من المعرفة موجوداً بالفعل أم لا؛ حتى حسم كانط هذا الجدل بإقرار وجودها.
أعاد الفيلسوف الألماني هيجل G. W. F. Hegel بعث المذهب العقلاني مرة أخرى في القرن التاسع عشر، وتبنى وجهة نظر تقول أنه يمكن الوصول إلى المعرفة الأكيدة بالموجودات بتفاعل التفكير والطبيعة مع التاريخ.
أبدى هيجل اهتمامه بالتاريخ، وتأثيره على إنتاج المعرفة، ولاقى ذلك صدى لدى الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر Herbert Spencer وأصحاب المدرسة التاريخانية في ألمانيا German school of historicism ولفت سبنسر والفيلسوف الفرنسي أوجست كومتي  Auguste Comte  الانتباه إلى أهمية علم الاجتماع كفرع من فروع المعرفة، ومد الاثنان مظلة المبادئ التجريبية الإمبريقية على دراسة المجتمعات.
وشهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تأسيس المدرسة البرجماتية الأمريكية The American school of pragmatism على أيدي الفلاسفة الأمريكيين تشارلز ساندرز بيرس Charles Sanders Peirce  ووليام جيمس William James وجون ديوي John Dewey وأكدوا من منطلقات إمبيريقية أن المعرفة أداة للفعل، وأن كافة المعتقدات تتحدد قيمتها بالفائدة التي تتحقق منها، وتلك هي القواعد التي تحكم اكتساب الخبرات.
لقد تعمق النقاش في بداية القرن العشرين حول القضايا الإبستمولوجية، وتحولت ظلال الاختلاف إلى مدارس فكرية مستقلة ركزت الاهتمام على العلاقة بين:
1.        الفعل الموجه لإدراك شيء ما.
2.       الشيء الذي يتم إدراكه مباشرة.
3.       الشيء الذي يتم معرفته بالإدراك الحسي.
ثم طور الفيلسوف الألماني إدموند هسرل Edmund Husserl منهجاً لدراسة العلاقة بين فعل المعرفة  Act of knowing والشيء المطلوب معرفته The object known من خلال أسلوب فريد عرف بعلم دراسة الظواهر أو الفنمنولوجي Phenomenology لتمكين الباحث من التمييز بين ما تبدو عليه الأشياء ظاهرياً، وكما يتصورها تفكير شخص ما، وحقق بذلك فهماً أعمق للمفاهيم المؤسسة للمعرفة.
وتباينت وجهتا نظر المدرسة الظاهراتية Phenomenalists والواقعية الجديدة Neorealists حول عناصر المعرفة حيث ارتأى الظاهراتيون أن عناصر المعرفة تطابق عناصر الموضوع المدرك، وجادلهم الواقعيون الجدد قائلين أن الفرد يدرك حسياً الأشياء الطبيعية، أو أجزاءها بغض النظر عن إدراكه العقلي لها، وجاءت الواقعية النقدية The critical realism  لتأخذ موقعاً وسطاً بينهما وقال مفكروها أن الإنسان لا يدرك حسياً سوى ما تلتقطه حواسه مثل الألوان والأصوات، وينطبق ذلك على الأشياء الفيزيقية، وتدل المعلومات بالتالي على المصدر المدرك.
ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين مدرستان فكريتان جديدتان تدينان كلتاهما بوجودهما للفيلسوف النمساوي لودفيج فيتجن شتاين Ludwig Wittgenstein.
نشأت المدرسة الأولى في فيينا بالنمسا، وتدعى المدرسة التجريبية المنطقية Logical empiricism، وتدعى أيضاً مدرسة المنطق الإيجابي Logical positivism وانتقلت أفكارها إلى بريطانيا، والولايات المتحدة، وتأسست على أن المعرفة نوع واحد هو المعرفة العلمية، وأن الحصول على أي معرفة صحيحة لا يتحقق إلا بالخبرة، وأن مقولات عديدة تناولتها الفلسفة لم تكن حقيقية، أو زائفة وإنما عديمة المعنى لغوياً، متبعة في ذلك خطى هيوم وكانت في التأكيد على وجود فارق واضح بين المقولات التحليلية، والتركيبية Analytic and Synthetic statements للتمييز بينهما.
أصبح معيار المعنى القابل للإثبات Verifiability criterion of meaning خاضعاً للتغيير المستمر نتيجة النقاشات التي دارت حوله سواء بين الأمبريقين المنطقيين أنفسهم، أو مع منتقديهم، ورغم ذلك حافظ على وجوده ولم يتم إنكاره، وتعرض المفهوم الصارم للفصل بين التحليلي Analytic  والمخلق Synthetic لهجوم بعض الفلاسفة ومن أبرزهم الأمريكي كوين W. V. O. Quine الذي انصبت جهوده الفكرية في إطار المدرسة البراجماتية، ثم تطورت هذه المدارس الحديثة في اتجاه التحليل اللغوي ونشأت فلسفة لغوية تحليلية Analytic and Linguistic Philosophy ويسميها البعض فلسفة اللغة الدارجة Ordinary language philosophy وبدت هذه الفلسفة متقاطعة مع التراث الأبستمولوجي.
أخذ المحللون اللغويون المعاصرون في دراسة وفحص المصطلحات الأبستمولوجية الأساسية وأساليب استخدامها مثل المعرفة Knowledge والإدراك الحسيPerception  والاحتمال (مرجح الحدوث) Probability وصياغة قواعد محددة صارمة لاستخدامها تفادياً للإرباك اللغوي الناشيء عن عدم ضبط المصطلح، وضرب الفيلسوف البريطاني جون لانج شو أوستين John Langshaw Austin   مثلاً بأن الحكم على مقولة ما بأنها صحيحة لا يضيف شيئاً فعلياً للمقولة سوى وعد من المتحدث أو الكاتب بصحتها، ولم يعتبر أوستن أن الصحة نوعية أو صفة للمقولة أو النص المتداول.
هذا عرض شديد الاختصار لتاريخ طويل خاض فيه العقل البشري رحلة مضنية، حاول ويحاول خلالها أن يفهم كيف يفهم، وما زال الوعد بالفهم قائماً.. فقط.. لمن يريدون الفهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق