الأربعاء، 12 يناير 2011


مصر للمصريين

في ثورة العرابيين

 

مسرحية للفتيان والفتيات 

بقلم: أحمد إبراهيم أحمد

 

ومازلنا نحاول..


تعاني ثقافة الطفل العربي؛ ومازالت؛ من نظرة فوقية ترى فيها عملاً دونياً رغم كل ما يقال وينشر عن أهميتها حيث يبقى القول نقيضاً للفعل.
وتشكل الكتابة للأطفال هماً مؤرقاً وعملاً شاقاً يستلزم التجهز له بأدوات متنوعة، وسعة في المساحة المعرفية سواء من حيث الثقافة العامة أو المتخصصة ناهيك عن الإلمام بعلم نفس الأطفال واحتياجاتهم في مراحل نموهم العمري المختلفة، والجنس أو الأجناس الإبداعية التي ستستوعب هذه الكتابة إضافة للشرط الأخلاقي الواجب التحرك من خلاله عند الكتابة للطفل.
فإذا أدركنا كم المعاناة التي يعانيها من يتوجه للطفل من تدني أدوات الحكم على أعمال الأطفال لدى العديد من المسئولين عن النشر أو التقييم لهذه الأعمال، وعدم تملكهم لأدوات القياس أو الحكم العلمي والموضوعي – ليس في الإطار الحرفي فقط – ولكن في الأطر الثقافية والأخلاقية أيضاً؛ إضافة للهوى مع أو ضد الكاتب كمحصلة لأشياء لا علاقة لها أبداً بالموضوع الأصلي.
وإذا نفسنا عن كروب النفس التي تنشأ عن ازدواجية القول والفعل، والمتمثلة في قول من يدعون الدفاع عن الأطفال - بدءاً بالتعليم ونهاية بالإعلام - حيث يروجون لقيم ضحلة تزهق كل ما هو نبيل مستهدف تحقيقه لأطفال هذا الوطن، فلا نجد ما نقوله في مواجهة من يملكون أدوات الفعل فيحولونها إلى أدوات إفساد، ويسيطرون على مقومات البناء فتتحول بين أيديهم بقدرة قادر إلى معول هدم، وهدم ماذا.. مستقبل هذه الأمة، ولا حرج.
ورغم أن المنظمات العالمية المعنية بالطفل قد أنجزت حجماً ضخماً من الأدبيات في مختلف نواحي التربية والتعليم والإعلام الخاص بالطفل إلا أن مستوى التعامل مع هذه المنجزات العلمية الضخمة لم يرق في بلادنا إلى مستوى التعامل العادي، وليس الملتزم.
ولا نتحرج من الفول أن بلداناً كنا نفوقها علماً ومعرفة وتقدماً أصبحت تتقدمنا بمسافات شاسعة فيما يخص الأطفال والعناية بهم والالتزام ببرامج حمايتهم ودعمهم علمياً وثقافياً وصحياً وحياتياً.
ولعل أحد أهم البرامج التي تتبناها المؤسسات المعنية بهموم الأطفال هو برنامج (من الطفل للطفل) الذي أطلقته منظمة اليونيسيف وتستهدف من خلاله الترويج للقيم الثقافية والصحية والتعليمية من خلال الأطفال باعتبارهم كائنات كاملة وليسوا بالغين صغار.
من هذا المنطلق يأتي هذا العمل الذي يقدم (مسرح للطفل بالطفل) في محاولة إنعاش الذاكرة الوطنية التي خيم عليها الغياب كثيراً كما لو كانت أمراً يعني غيرنا أو أنها قضية غير ذات جدوى ولا قيمة.
لا ندعي إعجازاً فيما نقدم، ولكننا ندعي صدق المحاولة، واستخدام الأدوات العلمية والمعرفية الصحيحة ومحاولة استخدامها الاستخدام الصحيح على أمل أن نلقي بحجر في الماء الراكد، أو إثارة الاهتمام وسط اللا مبالاة السائدة في سعي حقيقي يستهدف أطفالاً مصريين أكثر صحة وسعادة ووعياً.
وعلينا السعي وليس علينا إدراك النجاح.

المؤلف

المشهد الأول

الزمان :
وقت عرض المسرحية.. المدرس يتحاور مع تلاميذه..
المكان :
المشهد في أحد فصول المدارس.. يراعى في ديكورات العرض حدة ووضوح الألوان، واستخدام تقنية (الرليف) لتبدو بارزة ومجسمة – يفضل تركيب البانوهات على سكك أو عجل بحيث يمكن إخراجها وتركيبها في سرعة وسهولة، ويفضل أن تركب البانوهات على محاور، وأن يكون لها أكثر من وجه يتغير بتغييره جزء من المشهد بحيث تكون الديكورات والإكسسوارات سهلة التغيير دون إخلال بالدور التعبيري لهما في الإيحاء بتبديل الأماكن بشكل قريب من الرمزية الشفافة الموحية بواقعية الأحداث.

المدرس      : صباح الخير يا أولاد..
التلاميذ     : (في صوت واحد، وهم يقفون) صباح النور.
المدرس   :جلوس.. النهارده موضوع درس التاريخ عن الثورة العرابية، والموضوع ده موضوع مهم جداً.. مش علشان نمتحن فيه وبس.. لأ.. دراسة الثورة العرابية بتلقي ضوء مهم جداً على تاريخ مصر.
التلميذ1 : يعني إيه تلقي ضوء يا أستاذ؟
المدرس   : يعني بتنور لنا المنطقة اللي احنا عايزينا نعرفها ونشوفها.
التلميذ 1         : برضه مش فاهم.
المدرس   : لو قدرنا نفهم الثورة العرابية راح نفهم حاجات كتيرة في تاريخ مصر الحديث..راح نفهم كويس إيه اللي حصل، وليه حصل..
تلميذ 2 : يعني مش كفاية نعرف اللي في الكتاب ونمتحن فيه.
المدرس   : طبعاً لأ.. مش كفاية.. التاريخ مش مجرد درس نحفظه ونمتحن فيه، وبعدين ننساه.. لا.. التاريخ هو احنا..
تلميذ 3 : يعني إيه هو احنا يا أستاذ؟
المدرس   : سؤال جميل.. صحيح الموضوع كبير.. لكن ها أحاول أفهمه لك بطريقة بسيطة.. أنت بتصطاد الفار بإيه؟
تلميذ 3 : بالمصيدة.
المدرس   : ووالدك بيصطاد الفار بإيه؟
تلميذ 3 : برضه بالمصيدة.
المدرس   : وجد جدك كان بيصيد الفار إزاي؟

هرج ومرج في الفصل وضحك وحوارات جانبية

تلميذ 1 : الظاهر الأستاذ بيرسم هو راخر على دروس خصوصي..
تلميذ 2 : هي ناقصة.. دروس خصوصي في التاريخ.. أعوذ بالله..
تلميذ 1 : والا يمكن عايزنا نطلع صيادين فيران.. (ضحك)

المدرس   : هدوء.. هدوء.. قلتوا لي إن كل الناس بيعرفوا يصيدوا لفار بالمصيدة.. لو لاحظتوا معايا إن خبرة جد الجد انتقلت للجد وانتقلت للوالد ووصلت لك أنت (يشير للتلميذ رقم 3) إنت تقدر تصيد الفار بالحيلة القديمة.. حيلة المصيدة لأنك اتعلمت.. ونركز على كلمة اتعلمت ديه.. ولاحظوا إن الفار بيقع في المصيدة بنفس الطريقة اللي وقع بيها جده في المصيدة.. يعني ما اتعلمش.. وده الفرق بين الإنسان والفار.

تلميذ 3 : يعني الإنسان بيتعلم، والفار ما بيتعلمش..
المدرس   : بالضبط.. الفار من يوم ربنا ما خلق الدنيا ما استفادش من حياته، ولا طورها.. بيعيش بنفس الطريقة اللي عاش بها جده الفار الأول.. إنما الإنسان دايماً بيتعلم، واللي بيتعلمه بيعلمه لأولاده اللي بيتعلموه ويكتشفوا عليه أشياء جديدة يعلموها لأولادهم.
تلميذ 1 : (بغباء) وده معناه إيه؟
المدرس   : معناه إن الاختلاف الرئيسي بين الإنسان والحيوان إن الإنسان له تاريخ.
تلميذ2  (بغباء معادل لتلميذ 1) وإيه يعني ‍‍‍‍‍‍!
المدرس   : التاريخ هو مجموع الاكتشافات والاختراعات والتجارب اللي بيمر بيها الإنسان، واللي هو وحده دوناً عن مخلوقات الله عنده القدرة على إنه يتعلم ويعلم التجارب والخبرات اللي بتمر بيه..
تلميذ 1 : (بغباء) وده معناه إيه؟
المدرس   : يعني إنه حيوان له تاريخ.. فهمت.. العلماء بيقولوا كده.. لأنه بيتعلم الخبرات ويعلمها.. بيورثها ويورثها، وبكده يقدر يستفيد من الماضي لصنع المستقبل.
تلميذ 3 : شكراً.. كده فهمت معنى كلامك يا أستاذ..
تلميذ 1 : فهمت إيه؟ وإيه اللي بيحصل.. أنا مش فاهم حاجة..
المدرس   :لو صبرت معانا أكيد ها تفهم.. يا أولاد علشان نبني مصر المستقبل لازم نعرف الماضي كويس..
تلميذ 2 : نعرف إزاي نصيد الفار؟
المدرس   : حاجه زي كده.. لازم نعرف الماضي كويس.. نعرف مين أجدادنا.. عملوا إيه، واتعمل فيهم إيه.. إيه قدروا يكملوه، وإيه لسه ما كملش، ونحاول نكمل الأشياء العظيمة اللي عملوها ونصلح الأخطاء لو كان فيه غلط.
تلميذ 2 : واحنا نقدر على كل ده يا أستاذ؟
المدرس   : في يوم من الأيام آباؤكم قالوا : " إن الطفولة هي صانعة المستقبل "
تلميذ 5 : وقالوا كمان : "ومن واجب الأجيال السابقة لها أن توفر لها كل ما يمكنها من تحمل مسئولية القيادة بنجاح".
المدرس   : برافو.. عرفت الكلام ده منين؟
تلميذ 5 : بابا كان بيقول إن ده مكتوب في الميثاق..
تلميذ 6 : وإيه هو الميثاق؟
المدرس   : ده كان الميثاق الوطني بين كافة طوائف الشعب المصري.. كلمة شرف يعني.. بتحدد إيه اللي لازم يمشوا عليه..واتعمل أيام عبد الناصر.
تلميذ 1 : يا أستاذ.. أنا بقيت مش فاهم حاجة خالص.. فيران، وتاريخ وميثاق.. إيه الحكاية؟
المدرس   : الحكاية إن انتم النهارده تلاميذ.. بكره حاتكونوا حاجه كبيرة؟
تلميذ 2 : (في خفاء) إبقى قابلني..
المدرس   : بتقول إيه؟
تلميذ 2 : لا.. ولا حاجة.. خير.. خير إن شاء الله..
المدرس   : إنتم النهارده أطفال بكره حا تبقوا رجاله..
تلميذ 5 : أنا نفسي أكون طيار
المدرس   : وأنت نفسك تكون إيه؟
تلميذ 6 : نفسي أكون محامي..
المدرس   : وأنت؟
تلميذ 7 : مهندس..
المدرس   : وأنت؟
تلميذ 8 : دكتور..
المدرس   : وأنت؟
تلميذ 9 : ظابط بوليس..
المدرس   : وأنت؟
تلميذ 10: ظابط جيش..
المدرس   : وأنت؟
تلميذ 11: مهندس..
المدرس   : وحيطلع منكم العالم والمكتشف..
تلميذ 1 : مش حا يطلع حاجات تانية؟
المدرس   : أكيد.. ممكن يطلع منكم اللص والخاين..
تلميذ 7 : إزاي يا أستاذ؟
المدرس   : لازم الأول نعرف إيه الكويس ونعمله، وإيه اللي مش كويس ونبعد عنه.
تلميذ 7 : وأكيد السرقة والخيانة مش كويسين..
المدرس   : مهمتنا نعرف ليه السرقة والخيانة مش كويسين.. مش كفاية نبعد عنها.. لازم نفهم، والتاريخ بيساعدنا على الفهم.
تلميذ 2 : ماهو أحنا عمالين نقرا في كتب التاريخ ولا بنلاقي حاجة من اللي أنت بتقوله ده.
المدرس   : طيب.. أنا عندي فكرة حا تعجبكم.. إيه رأيكم نمثل التاريخ؟
تلميذ 5 : نمثل التاريخ؟
تلميذ 2 : يعني إيه نمثل التاريخ؟
المدرس   : بالراحة.. كل شئ حا تفهموه بالراحة..
تلميذ 1 : إزاي؟
المدرس   : موضوع الثورة العرابية.. اللي هو موضوع حصة النهارده..
تلميذ 2 : ماله ده راخر؟
المدرس   : نمثله.. حا نعمله مسرحية.
تلميذ 1 : إزاي يعني؟
المدرس   : أفهمك.. في أي حكاية في الدنيا فيه طرفين.. كل واحد بيصارع التاني..
تلميذ 2 : يعني إيه بيصارع التاني؟
المدرس   : أصبر على شوية وأنت تفهم..
تلميذ 1 : زي الشجيع والحرامي الناشف في الأفلام.. ما تفهموها بقى؟
المدرس   : برافو.. أهو زميلك فهم (يتباهى تلميذ 1).. دايماً يا أولاد فيه قوة للخير، وقوة للشر، والحدوته اللي بتحصل ما بينهم هي المسرحية..
تلميذ 9 : لعبة جميلة..
تلميذ 1 : يمشي الحال..
تلميذ 2 : أحسن من كتر الكلام ووجع الراس.
تلميذ 11: طيب عرابي حا يبقى إيه في الثورة العرابية؟
تلميذ 6 : حا يبقى الشجيع طبعاً.
تلميذ 1 : ومين بقى الحرامي الناشف يا أخويا؟
تلميذ 8 : أكيد حا يكون الخديوي.. مين غيره؟
المدرس   : خدوا بالكم عرابي ما كنش لوحده، ولا الخديوي كان لوحده.
تلميذ 10: طيب احنا حا نعرف أصل الحكاية إزاي؟
تلميذ 4 : صحيح يا أستاذ..
المدرس   : ها تعرفوا كل حاجة..
تلميذ 7 : طيب وأحنا حا نعمل إيه؟
المدرس   :أول شئ أنتم وصلتوا له بكلامكم دلوقتي إن التاريخ مش مسألة بسيطة ولا حدوتة من حواديت قبل النوم.. لازم ناخد بالنا.. التاريخ فيه ناس، وفيه حكايات وأحداث.. برضه صنعها الناس.
تلميذ 1 : واحنا حا نعرف ده كله منين.
المدرس   : من النص.
تلميذ 2 : النص.. يعنى إيه النص ده ا أستاذ؟
المدرس   : يعني الحكاية اللي حنمثلها مكتوبة على شكل حوار.. كلام كل واحد بيقول منه حته.. أنا حا أكتب النص، وكل واحد فيكم يمثل شخصية من شخصيات المسرحية.
تلميذ 5 : بس إزاي إحنا حا نتعلم وإحنا بنمثل..
المدرس   : سؤال جميل.. إحنا حانمثل شخصيات مهمة في الثورة العرابية، واحنا بنمثلها ها نتعرف عليها، وها نعرف هي عملت إيه.. اللي عملوه ها يكون الحدوتة اللي ها تفهمنا إيه هي الثورة العرابية وإيه أهميتها.
تلميذ 8 : ومين أهم شخصيات المسرحية؟
المدرس   : حا نعرفهم حالاً.. على العموم إحنا معانا مجموعتين.. المجموعة الأولى الجيش ووراه الناس المصريين أولاد الشوارع.. اللي هما الشعب المصري.. دول من ناحية.. من ناحية تانية الناس ولاد القصور اللي هما الخديوي ووراه الأجانب
تلميذ 6 : كلام جميل.
المدرس   : إذاً.. استبينا.. نتقابل بكره في مسرح المدرسة..
تلميذ 1،2: إمتى؟
المدرس   : في الفسحة الكبيرة..

ظلام

المشهد الثاني


الزمان : وقت عرض المسرحية.. المدرس في المسرح مع تلاميذه..
المكان : المسرح خال من الديكور، يدخل الأولاد المسرح من الصالة، ويتصرفون على أساس أن مسرح العرض هو مسرح المدرسة والعرض هو تجربتهم لتمثيل التاريخ


المدرس      : صباح الخير يا أولاد..جاهزين؟ عندنا شغل كتير.
التلاميذ     : (في أصوات متداخلة) جاهزين
المدرس   : أوكيه..إحنا بقى لنا أيام طويلة بنتدرب، والنهارده الناس حا تشوفنا.. شدوا حيلكم.. عبد الله النديم..
النديم        :نعمين
المدرس      : عرفنا بنفسك..
النديم        :
أنا الأديب الأدباتي
دي مصر أحلى ما في الدنيا


با أحب مصر ما هي بلادي
غنوا لها غنوا يا أولادي

المجموعة     :
أنا الأديب الأدباتي
دي مصر أحلى ما في الدنيا


با أحب مصر ما هي بلادي
غنوا لها غنوا يا أولادي

النديم        :
دي مصر بلد الحرية
وفيها ثورة عرابية


وناسها كلها وطنية
بتفدي بالدم بلادي

النديم        :
أنا الأديب الأدباتي
دي مصر أحلى ما في الدنيا


با أحب مصر ما هي بلادي
غنوا لها غنوا يا أولادي

النديم        :
دي مصر دي بتجري في دمي
وأغوص في نيلها مستني


وأنا أمشي في غيطانها وأغني
ميلاد جديد للحرية

النديم        :
أنا الأديب الأدباتي
دي مصر أحلى ما في الدنيا


با أحب مصر ما هي بلادي
غنوا لها غنوا يا أولادي

المدرس      : يا نديم..
النديم        : نعم.
المدرس       أنت بتعمل إيه؟
النديم        : با أحب مصر.
المدرس      : إزاي؟
النديم        : بالفعل.. مش بالكلام.
المدرس      : وأنت عملت إيه لمصر؟
النديم        : سبت بيتي وحالي ومالي وانضميت للثورة العرابية.
المدرس      : وشاركت بإيه في الثورة؟
النديم    : أنا كنت لسان حالها وجورنالها. غنيت لها، وخليت الناس تغني لها.. حاربت مع اللي حاربوا، ولفيت مصر نجوع وكفور.. حضر وريف.. ماسبتش حته لجل الناس يساعدوا العرابيين يحافظوا على مصر وتفضل للمصريين.
المدرس   : موافق تشترك معانا في حفلة الليلة.
النديم    : وليه لأ..ما دمتم بتقولوا الحق.
المدرس   : شكراً يانديم، ودلوقتي نشوف شخصية تانيه. مين.. مين؟ آه.. نشوف الخديوي.. اتفضل يا جناب الخديوي ورينا شكلك.

يدخل أحد التلاميذ يؤدي شخصية الخديوي توفيق بشكل كاريكاتوري مبالغ فيه

الخديوي : آمان يا ربي آمان.. فلاح نمرود.. أدب سيس.. خرسيس.مرسيس.. شلضم بلضم شكشوكة.
المدرس   : إيه يا ابني اللي أنت بتهببه ده؟
الخديوي : بامثل دور الخديوي توفيق.
المدرس   : وحد قال لك إنه كان عبيط زيك كده؟

يضحك الأطفال

الخديوي : الله بقى يا أستاذ.
المدرس   : يا ابني الخديوي توفيق كان بيحكم مصر.. كان شخصية متعلمة ومتربي تربية قصور.. صحيح هو كان عدو لعرابي وللعرابيين لكن كان بيفهم في السياسة.. صحيح هو خان مصر. لكن ما كنش عبيط.. كان ذكي.. ذكي جداً.. يمكن لدرجة الخبث.. كان عارف هو بيعمل إيه وبيعمله ليه وعارف إزاي يوصل للنتيجة اللي هو عايزها كويس قوي.. وبعدين أنا ما كتبتش الكلام العجيب اللي انت قلته دلوقتي.. من فضلك قول زي ما هو مكتوب عندك في النص.
الخديوي : لكن يا أستاذ أنت قلت لنا إن احنا ممكن نتصرف.
المدرس   : فيه فرق بين التصريف والتخريف.. اللي أنت عملته دلوقتي ده أسمه تخريف عارف ليه؟
الخديوي : ليه؟
المدرس   : لأنه خروج على النص.. اتفضل أدي دورك من غير خروج على النص.
الخديوي : بس عايز حد يمثل معايا.
المدرس   : حا تمثل أنهي جزء؟
الخديوي : أول حاجة حضرتك محضرها.
المدرس   : آه.. يعني عايز تمثل مشهد على بعضه..
الخديوي : ايوه يا أستاذ.
المدرس   : كلام جميل.. يا لا بينا يا أولاد نحضر لمشهد القصر.
يأخذ الأولاد في ترتيب المكان وتجهيز الديكور والاكسسوارات وارتداء الملابس التاريخية لشخصيات العرض

ظلام

المشهد الثالث

الزمان : وقت عرض المسرحية على خشبة المسرح هو وقت الأحداث التاريخية المفترضة لعبة تداخل الزمن تستهدف كسر حاجز الإيهام..
المكان : القصر.. يدخل النديم والمدرس ومعهم الأطفال الذين يعطون ظهورهم للجمهور وهم جلوس على الأفانسين بينما يقوم المدرس والنديم بالتمثيل على مستوى مرتفع قليلاً عن مستوى المسرح وفي نفس الوقت يتوازى مع الحوار عرض بالفانوس السحري.

النديم    : لحظة يا إخوانا.. المشهد اللي حا نشوفه كلنا دلوقتي كان السبب المباشر في اللي حصل بعد كده.. كان الزناد اللي فجر القنبلة.. كان الشرارة اللي ولعت فتيل الثورة.. كانت الناس زهقانة من الحكم اللي بيظلم أي حد بيعارضها.. لا فيه لا عدل ولاقوانين.. الغلابة في ناحية والقصر والأعيان والأجانب في ناحية تانية والحكومة سايقة الناس بالكرباج.. في الوقت ده ظهر في مصر متعلمين عرفوا حقوقهم وطالبوا بالدستور وشجعوا الناس يطالبوا بيه.. مصر كانت بتغلي وأسباب مختلفة حركت الناس ناحية الثورة.
المدرس   : طيب مين يقول لنا إيه هي أسباب الثورة؟
تلميذ 10: (من الصالة) أهم الأسباب هي الأسباب سياسية، وفيه أسباب اقتصادية.
المدرس   : كلام رائع.. مين يقول لنا إيه هي الأسباب السياسية للثورة العرابية؟
تلميذ 5 : سوء نظام الحكم وقسوته على الناس خلت المصريين عايزين يخلصوا منه.
المدرس   : وإيه كمان؟
تلميذ 7 : نظام السخرة
المدرس   : مين يقول لنا يعني إيه نظام السخرة؟
تلميذ 8 : كان الأمراء والبشوات الإقطاعيين بيشغلوا الفلاحين في الأرض من غير فلوس.
تلميذ 9 : وده حصل في حفر قناة السويس.
النديم    : الله عليكم.
تلميذ 10: كمان ما كنش فيه دستور ولا برلمان، وكان الخديوي مستبد في الحكم.
النديم    : اللهم صلي على النبي، وإيه كمان؟
التلميذ   : إضطهاد الوطنيين
النديم    : وده كان السبب في تكوين الحزب الوطني.
المدرس   : وعل فكره.. الحزب الوطني بدأ حزب سري..
النديم    : بالظبط.. مجموعة من المصريين الوطنيين المتعلمين واللي عندهم وعي بقضية وطنهم كانوا متضايقين من سيطرة الأجانب على مصر.. اتجمعوا في حلوان ونظموا نفسهم وسموا تنظيمهم الحزب الوطني.
المدرس   : كانت ليهم أهداف وطنية ضايقت الخديوي.
النديم    : وكان فيه في إسكندرية جمعية وطنية لها نفس الأهداف، ولها جريدة بتحمل نفس أسمها.
المدرس   : مصر الفتاة.
النديم    : طبعاً الكلام ده ما عجبش لا الخديوي ولا أعوانه.
المدرس   : قام شدد الرقابة عليهم واضطهدهم.
تلميذ 4 : ممكن أقول أنا الأسباب الاقتصادية.
المدرس   : قول يا ابني.
تلميذ 4 : نظام المراقبة الثنائية الأجنبية والتدخل الأوروبي في شئون مصر الاقتصادية.
النديم    : تصوروا.. كان فيه اثنين خواجات بيوجهوا وزارة المالية المصرية.. قول يا ابني قول.
تلميذ 4 : إلغاء قانون المقابلة.
تلميذ 2 : وإيه بقي هو آنون المآبلة ده بالصلا عا النبي.
المدرس   : ده قانون اتفق عليه الخديوي مع الأعيان على إنه يلغي نص الضريبة على الأرض لو دفعوا مبلغ كبير مرة واحدة للحكومة.
النديم    : كاش يعني.. بس الخديوي لحس كلامه ولهف الفلوس وما لغاش نص الضريبة.
المدرس   : ده غير تقليل الجيش المصري إلى 18 ألف جندي لتقليل المصروفات، وفي الحقيقة وصلوه ل 12 ألف بس.
النديم    : الجيش اللي كان فخر مصر أيام الخديوي إسماعيل وحارب في أفريقيا.
تلميذ 1 : وإيه اللي قلب الدنيا القلبه السوده دي؟
المدرس   : الخديوي إسماعيل رغم الإنجازات العظيمة اللي حققها إلا أنه ورط مصر في ديون ضخمة.
النديم    : الخديوي توفيق ورث الديون زي ما ورث العرش؛ والنتيجة إن نص ميزانية البلد كانت بتروح بس في تسديد فوايد الديون؛ والديون زي ما هي.
المدرس   : والنتيجة طبعاً ضرايب أكتر على الفلاحين.. امتيازات أكتر للأجانب.
النديم    : واللي زاد المبله طين إن مافيش خدمات بتقدمها الدولة للناس.
المدرس   : لا مستشفى بيتفتح؛ ولا مدرسة بتتبني؛ ولا طريق بيتشق؛ ولا مصرف أوترعة بتتفحت.. ما فيش مصلحة من مصالح الناس حد واخد باله منها.
النديم    : والفقر واخد كل الناس في حضنه.. والخلق مخنوقة.. ملهوفة ع الحرية.
المدرس   : في الوقت ده كانت بتوصل مصر أخبار النهضة العلمية والأدبية في العالم.
النديم    : وصلتنا ف مصر المحروسة أخبار التطور والثورة الصناعية.. الجرايد بتكتب؛ والمتعلمين اللي بيرجعوا من بره بيتكلموا؛ والناس بتفتكر أيام محمد علي.. أيام البعثات والترسانة وتترحم عليها.
المدرس   : كل ده والشيخ جمال الدين الأفغاني نازل كلام.
النديم    : مش هوه بس.. ولاد مصر المخلصين ما بطلوش ينقلوا لأمهم مصر نور العلم والمعرفة.. أخبار الثورة في الدنيا.. أخبار الحرية.
المدرس   : في الجو ده حصلت حادثة كانت الشرارة اللي ولعت منها الثورة وأدت لظهور عرابي في الساحة.
النديم    : عرابي المصري.. عرابي الفلاح.. عرابي اللي طالع من تحت السلاح.

ظلام

المشهد الرابع

الزمان : امتداد نفس الوقت.
المكان : نفس المكان.. يخرج النديم والمدرس وبقية الطلاب ويدخل الخديوي وبعد لحظة يدخل عثمان باشا رفقي.

الخديوي : (مرحباً) عزيزي رفقي باشا..
رفقي     : في خدمة سموكم سيدي الخديوي.
الخديوي : أنا مش مبسوط يا باشا
رفقي     : لا بأس على مقامكم الشريف يا سمو الخديوي.
الخديوي : لقد أرسلت لكم لمناقشة أمر يقلقني.
رفقي     : في خدمة مقام جنابكم الشريف يا أفندينا.
الخديوي : الجيش.. الجيش يا باشا.
رفقي     : ماذا تقصد يا مولاي؟
الخديوي : ألا تعتقد معي أنه كبير.. كبير جداً؟
رفقي     : الرأي رأي جناب أفندينا؟
الخديوي : إنه كبير جداً.. كبير بشكل زائد عن الحد..
رفقي     : أنا استمع لجنابكم.
الخديوي :التزاماتنا المالية، وأعباء الديون هي الأخرى كبيرة.. كبيرة جداً.
رفقي     : أعرف يا سيدي.
الخديوي : لذلك إذا خفضنا عدد الجيش سوف نوفر كثيراً من النفقات.
رفقي     : بلا شك يا مولاي.
الخديوي : عظيم.. أنا أعتقد أن ثمانية عشر ألفاً عدد كاف.. أليس كذلك.
رفقي     : أكثر من كاف يا مولاي.
الخديوي : إذن أنت توافقني.
رفقي     : بكل تأكيد ياجناب الخديوي.
الخديوي : إذاً كيف نخفض عدد الجند؟
رفقي     : أنت تعرف يا مولاي أن عدد لفلاحين في الجيش قد زاد كثيراً.. زاد عن اللزوم
الخديوي : لا فكرة عندي عن ذلك.
رفقي     : الحقيقة يا مولاي أن الجيش قارب أن يصبح جيشاً من الفلاحين.. وليس هذا فقط.. بل إنهم يضعون أنفسهم قيد المساواة مع الضباط الشراكسة والترك والمماليك.
الخديوي :(ضاحكاً) أمر عجيب..
رفقي     : لذلك أقترح يا مولاي أن نسن قانوناً جديداً للخدمة العسكرية.
الخديوي  قانون جديد؟
رفقي     : نعم يا مولاي.. قانون جديد نمنع به ترقي الضباط من تحت السلاح.*
الخديوي : تقصد منع الترقي عن الضباط الذين لم يدرسوا في المدرسة الحربية؟
رفقي     : بالضبط يا مولاي
الخديوي :وكيف يمكن ذلك؟
رفقي     : لا يبقى الفلاحون في الجيش إلا أربع سنوات فقط.
الخديوي : أربع سنوات فقط؟
رفقي     : أجل يا مولاي.
الخديوي : لكن هذا قليل.. قليل جداً.
رفقي     : ليس قليلاً يا مولاي إذا بقى في بلده أحد عشر سنة احتياطياً رهن الطلب.
الخديوي : (ضاحكاً) وبعد ذلك؟
رفقي     : ينسخ اسمه من سجلات الجهادية
الخديوي : (ضاحكاً) أنت إبليس يا باشا
رفقي     : (وهو ينحني) في خدمة أفندينا.
الخديوي : وهل يكفي ذلك للتخلص من الفلاحين
رفقي     : طالما خادمكم المطيع عثمان رفقي ناظراً للجهادية فلن يرفع فلاح رأسه بعد الآن.
الخديوي : عظيم.. عظيم يا باشا.
رفقي     : وقد أعددت المرسوم منذ فترة وهو جاهز لموافقة جنابكم.
الخديوي : (وهو يضحك) وأنا موافق.. سوف أوقع عليه فوراً.. سيصدر المرسوم يا باشا.
رفقي     : (وهو ينحني) في خدمة جناب أفندينا.

ظلام

المشهد الخامس

الزمان : استمرار لنفس الوقت.
المكان : بيت أحمد عرابي.. المسرح مظلم والنديم محاط بهالة من الضوء.. يزداد الضوء تدريجياً حتى يضاء منزل عرابي بالكامل.

النديم    عرف الظباط المصريين بمؤامرة رفقي باشا؛ ووصلتهم الأوامر قبل نشرها.. كانوا غضبانين جداً ونفوسهم ثايرة؛ وإحساسهم إن عثمان رفقي بيميز الشراكسة والأتراك عليهم – وهما أهل البلد – كان مخليهم ها يتجنوا.. وكان واضح إن رفقي باشا مش ناوي يتراجع واتأكد الظباط المصريين من كده لما اتخفضت رتبة عبدالعال بك حلمي، وأحمد بك عبد الغفار.. يعمل إيه الظباط المصريين؟ خدوا بعض بشلة المعلم وراحوا على بيت عرابي.. وهناك اتفقوا انهم يخلوا عرابي ريسهم اللي يتكلم باسمهم، وعاهدوا الله يكونوا يد واحدة 00 وعهد الله على الخاين والجبار وابن الحرام 00 وقرروا يواجهوا عثمان رفقي وعصابته من الشركس والأتراك.. بينا على بيت عرابي نشوف حصل إيه.
يخرج النديم ويدخل عرابي ومعه محمد عبيد وعبد العال حلمي وعلي فهمي الديب وخضر أفندي خضر وألفي أفندي يوسف.
عرابي    (حديثه يبدأ من خارج المسرح) ما هو لازم نكون واضحين؛ ولازم نقول احنا عايزين إيه.
عبد العال         : إحنا جايين نشوف رأيك انت.. انت رأيك إيه؟
عرابي    : المسألة مش سهلة.
عبيد     : إحنا عارفين كده كويس.
خضر    : ومش خايفين من حاجه؛ ومستعدين نواجه اللي حا يحصل.
عبد العال: المهم انت تكون عارف كده وتكون مقتنع باللي احنا عايزينه منك.
عبد الغفار: واللي احنا طالبينه منك كتير وخطير.
عرابي    :ياجماعة أنا واحد منكم وتحت أمركم؛ ورأيي انتوا عارفينه كويس.. لازم تنظموا نفسكم وتحطوا ايديكم في ايدين بعضكم؛ وتختاروا من بينكم ريس ليكم تكون أوامره مطاعة وكلمته مسموعة بينكم.. يخطط معاكم ويواجه الحكومة بمطالبكم؛ وانتم تحموه لو الحكومة نوت الغدر بيه.
عبد الغفار: توافق تبقى انت الزعيم دهوه؟
عبيد     : لازم يوافق..
عرابي    : الأفضل تختاروا واحد بدالي وأنا واحد منكم ليه اللي ليكم وعليه اللي عليكم.
عبيد     : ما ظنيش عرابي خايف؟
عرابي    : المسألة مش مسألة خوف وانت عارف كويس.. أنا معاكم بروحي قبل سيفي.. أنا مش عايز ابقى ريس وزعيم.. اختاروا واحد من بينكم وانا معاكم زي زي أصغر واحد منكم اسمع الأوامر وانفذها.
عبيد     : لكن احنا اخترناك انت.
عبد العال : اخترناك وانتهينا.
عرابي    : يا اخوانا المسألة مش سهلة وعواقبها كتيرة وانا خايف عليكم مش على نفسي
عبيد     : المسألة فاتت الخوف على النفس يا عرابي بيه.. المسألة مسألة وطن والمطلوب منك مسألة وطنية.
عرابي    : الأمر لله في الأول وفي الآخر.. المهم انتم عارفين إن كل واحد فينا بقى عدو للحكومة من اللحظة دي.. عدو ممكن يتقتل في أي لحظة.
خضر    : عارفين كويس.
عرابي    : نقرا الفاتحة (يقرؤون الفاتحة ثم يضع المصحف والسيف في وسطهم) نحلف عا المصحف والسيف (يضع كل واحد منهم يد اليمنى على المصحف واليسرى على قلبه) نقسم بالله العظيم.
المجموعة : نقسم بالله العظيم
عرابي    : وبكتابه الكريم.
المجموعة : وبكتابه الكريم
عرابي    : وبشرفنا العسكري..
المجموعة : وبشرفنا العسكري..
عرابي    : أن نفدي وطننا العزيز بأرواحنا
المجموعة : أن نفدي وطننا العزيز بأرواحنا
عرابي    : وأن ندافع عن كل وطني من الوطنيين يتعرض للخطر..
المجموعة : وأن ندافع عن كل وطني من الوطنيين يتعرض للخطر..
عرابي    : والله على ما نقول شهيد
المجموعة : والله على ما نقول شهيد
عرابي    : أول خطوة لازم نعملها نكتب عريضة للخديوي
عبد العال : وحا نكتب فيها إيه؟
عبيد     : أول طلب هو عزل عثمان رفقي وتعيين ناظر جهادية مصري.
خضر    : ونطلب إنشاء مجلس نواب..
عرابي    : ونطالب برفع عدد الجيش.
عبد العال : وما تنسوش لازم نطلب تعديل قوانين الجهادية علشان تساوي بين كل رجالة الجيش..
عرابي    : (يحضر أوراقاً وريشة ودواة ويبدأ في الكتابة) بسم الله
(يتجمدون في أماكنهم FROZEN CADER وتبد الإضاءة في الانسحاب والتغيير بحيث يتحولون إلى سيلويت ويدخل النديم مع بقعة ضوء متحركة SPOT)
النديم    : الله.. الله يا مصر.. ابتدا ولادك يبنوا أمجادك ويكتبوا تاريخك بدمهم.. إيه اللي حصل بقى بالصلا ع النبي؟ عرف عثمان رفقي بموضوع العريضة اتجن.. وقرر يحاكم ثلاثة من الظباط اللي وقعوا عليها (يشير لكل واحد منهم) عرابي؛ وعبد العال حلمي؛ وعلي فهمي.. ولأنه جبان وما يقدرش يواجههم استعمل الحيلة.. عزمهم علشان يساعدوه في ترتيب احتفالات جواز أخت الخديوي.
(يتحرك النديم لمقدمة المسرح وتطفأ الإضاءة الخلفية تماما ويقل حجم السبوت المسلط عليه لأقل حجم يسمح بمشاهدته مع تغيير الديكور أثناء بقية حواره)
           لكن على مين.. الظباط فهموا اللعبة؛ ورتبوا نفسهم لو حصل حاجة لأي واحد منهم الباقيين يكونوا جاهزين.. وصل عرابي ومعاه عبد العال حلمي لقشلاق قصر النيل حسب معاد عثمان رفقي.. هب.. واتقبض عليهم واتسجنوا.. البكباشي محمد عبيد كان مراقب الوضع.. ما كدبش خبر.. هجم على قشلاق قصر النيل برجالة الآلاي الأول وطلع زمايله من سجن القشلاق.. عثمان رفقي شم خبر، وحط ديله في سنانه وهرب من شباك من شبابيك القشلاق زي الفار الجبان.. الظباط انتصروا كده واتعقد الوضع.. كان لازم حد يتدخل علشان يهدي الوضع.. مين يقدر على كده غير البارودي.. محمود سامي البارودي.. رب السيف والقلم.. ورغم إن أصله تركي إلا إنه كان نصير حقيقي للثورة الوطنية وصديق مخلص لعرابي.. اتدخل البارودي علشان يهدي الجو بين الخديو والظباط المصريين.

ظلام

المشهد السادس

الزمان : نفس الوقت.
المكان : نفس المكان.. يخرج النديم والمدرس والطلاب ويدخل الخديوي يليه خيري باشا رئيس الديوان وبعد فترة قصيرة يدخل البارودي.

الخديوي : مش معقول.. مش معقول. الدنيا ظلام في وجهي يا باشا
خيري    : أهدأ يا جناب أفندينا.. اهدأ يا مولاي.. ستسير الأمور كما تريد.
الخديوي :كيف.. كيف يا باشا؟
خيري    : مازال بالإمكان إصلاح الأمور.
الخديوي :كيف.. كيف يا باشا؟
خيري    : بعد قليل سوف يصل ناظر الأوقاف..
الخديوي : بارودي باشا؟
خيري    : نعم.. وهو على صلة ببعض الضباط وتقابل معهم، وسوف يعرض على الجناب العالي حلاً قد ترونه مناسباً.
الخديوي : ولماذا تأخر إذن؟
خيري    : ها هو قد وصل..
(يدخل البارودي)
البارودي : التحيات والتعظيمات لأفندينا.
الخديوي : (مرحباً) عزيزي البارودي باشا..
البارودي : في خدمة سموكم جناب الخديوي.
الخديوي : أهلاً يا باشا.. ماذا عندك من أخبار؟
البارودي : خير.. خير إن شاء الله يا أفندينا.
الخديوي : أنا مش مبسوط يا باشا
البارودي : سلامات على جنابكم يا أفندينا.
الخديوي : كيف وصلت الأمور لهذا الحد يا باشا..
البارودي : يسأل عن ذلك عثمان باشا رفقي يا أفندينا.
لخديوي  : لقد ورطنا هذا الحمار عثمان رفقي.
البارودي : كل ابن آدم خطاء.
الخديوي : والجيش.. الجيش أصبح جيش الفلاحين يا باشا.
البارودي : ماذا تقصد يا مولاي؟
الخديوي : هذا الفلاح عرابي..
البارودي : أتريد رأي المتواضع يا أفندينا؟
الخديوي : ولماذا استدعيتك إذن؟..
البارودي : لقد تعرض عرابي والضباط المصريين لمهانة شديدة على يد رفقي باشا.
الخديوي : مشاكلنا كبيرة جداً.. كبيرة جداً.. ديوننا كثيرة ولا بد من تخفيض المصروفات.
البارودي : أعرف يا سيدي.
الخديوي : لذلك من الضروري تخفيض عدد الجيش.
البارودي : مولاي إذاً يؤيد عثمان باشا رفقي.
الخديوي : (مرتبكاً) هل تحاسبني يا بارودي باشا؟.
البارودي : عفواً ياأفندينا.. أنا أحاول أن أعرف وجهة نظركم.
الخديوي : إذن أنت توافقني.
البارودي : ليست القضية موافقتي يا أفندينا.
الخديوي : إذاً ما هي القضية؟
البارودي : يامولاي الوضع حرج للغاية.. عثمان رفقي تآمر على مجموعة من ضباط الجيش.. ضباط الجيش استطاعوا انهم ينتصروا عليه.. والبلد مهددة بفتنة.. ممكن تحصل هوجة كبيرة.. كبيرة وخطيرة.
الخديوي : لا فكرة عندي عن ذلك.
البارودي : الحقيقة يا مولاي أن الجيش بيغلي.. المصريين شاعرين بالإهانة من الموقف المتعصب ضدهم.. الضباط من أصل تركي وشركسي يعاملونهم بتعال.
الخديوي: (ضاحكاً) أمر عجيب..
البارودي : ليس عجيباً يا مولاي.. بل خطير.. لابد من إنصاف المصريين وتعديل قوانين الجهادية.
الخديوي : قانون جديد.. مرة أخرى قانون جديد؟
البارودي : نعم يا مولاي.. قانون جديد ينصف المصريين ويحفظ حقوقهم وبذلك نقي البلاد شر فتنة لا يعلم مداها إلا الله.
الخديوي : لم يبقى إلا أن تعزلوا عثمان باشا رفقي؟
البارودي : بالضبط يا مولاي
الخديوي : مستحيل.. هذا أمر مستحيل.
البارودي : بل هو عين العقل والحكمة يا أفندينا.
الخديوي : عثمان رفقي صديقنا وخدمنا بكل إخلاص.
البارودي : ومصلحة البلاد يا أفندينا؟
الخديوي : لكن هذا كثير.. كثير جداً.
البارودي : ليس كثيراً يا مولاي إذا كانت المفاضلة بين عثمان رفقي ومصر.
الخديوي : (ممتعضاً) وبعد ذلك؟
البارودي : تختارون جنابكم وزير حربية يساعد على تهدئة النفوس.
الخديوي : (بغضب مكبوت) أحياناً أشعر أنك فلاح أكثر من الفلاحين يا باشا.
البارودي : أفندينا يعرف جيداً من هو محمود سامي البارودي وما هو أصله.
الخديوي : وهل يكفي ذلك للتخلص من مشاكلنا مع هؤلاء الفلاحين؟
البارودي : المشاكل تنتهي حين يشعرون بالثقة يا أفندينا.
الخديوي : لا أدري يا باشا..قلبي غير مرتاح.
البارودي : الأمر أمر جنابكم، وإذا تفضلتم بالموافقة سوف يحضر الضباط يلتمسون عطف مولانا.
الخديوي : عطفنا؟
البارودي : يحضرون لتقديم فروض الولاء لجنابكم يا أفندينا.
الخديوي : شوك جوزال.. يحضرون لطلب العفو..
البارودي : نعم.. في حالة عزل عثمان رفقي وتعيين ناظر جهادية يثقون به.
الخديوي : في ستين داهية عثمان رفقي.. اسمع بارودي باشا.. هل يثق بك الضباط الفلاحين؟
ابارودي : كل الثقة يا أفندينا.
الخديوي : إذاً تصبح أنت ناظراً للجهادية يا باشا.
البارودي : هذا شرف لنا يا أفندينا.
الخديوي : نأمل أن ترعى مصالحنا ياباشا.
البارودي : مصالح مصر دائماً لها الأولوية يا جناب أفندينا..
(ينحني ويخرج)
النديم    : اللي حصل ما كنش ممكن يمر بالساهل.. الخديوي حس إنه اتغصب على اللي حصل وما صدق إن الأمور هديت شوية وابتدا يلعب بديله ورتب مواجهة مع البارودي علشان يدفعه للاستقالة ويتخلص بالشكل ده من نصير مهم للحركة الوطنية في الجهادية.

ظلام

يخرج النديم ويدخل الخديوي يحدث البارودي بحدة ومعهما خيري باشا

البارودي : يعلم الله أني خدمت الوطن بغاية الإخلاص.
الخديوي : هذا ما تعتقده أنت وأولئك الفلاحين.
البارودي : بل هذا ما يعتقده كل المخلصين..
الخديوي : إذا أنا من غير المخلصين..
البارودي : يعلم جنابكم أني لم أقصد هذا المعني..
الخديوي : لقد خنتم ثقتنا يا باشا..
البارودي : هذا غير صحيح يا أفندينا..
الخديوي : أنت كثير الجدل اليوم يا باشا.. يا باشا.. البلاد كلها فوضى والسبب أنك تركت لعرابي ورجاله الحبل على الغارب.. لو وجدوا ناظراً للحربية يعرف كيف يحكمهم ما أصبحنا في حالة الفوضى التي نعيشها الآن.
البارودي : تعني يا أفندينا أني أنا سبب هذه الفوضى.
الخديوي :ذكاء يليق بناظر الجهادية.. تمام يا باشا.
البارودي إذاً لا سبيل للخلاص من هذه الفوضى إلا أن اقدم استقالتي..
الخديوي : ألم أقل لك.. أنت شديد الذكاء يا باشا.. لقد حرمتني متعة إقالتك.
البارودي : بإذن أفندينا.. أنا استعفي من خدمة النظارة..
يخرج البارودي
الخديوي : مع السلامة يا باشا.. خيري..
خيري    : أمرك يا جناب أفندينا.
الخديوي : استدعي داود باشا يكن.. صهرنا.. فقد اخترناه ناظراً للحربية.

ظلام

النديم    : الخديوي ابتدى لعبته، وبعد البارودي راح نازل على كل من ناصر العرابيين أو وقف معاهم.. كان أبرز واحد فيبهم محافظ العاصمة.. مصر المحروسة.. غير ناس كتير.. لكن.. الدنيا كانت اتغيرت، وده اللي ما فهموش الخديوي.. العرابيين كانوا طليعة للمصريين.. وطلع المارد من القمقم خلاص وما عدش حد يقدر يرجعه.. عجلة الزمن دارت، وعجلة الزمن لما بتدور بتدور لقدام، وستحيل حد يدورها لورا.. والعرابيين كانوا خلاص عرفوا امكانياتهم.. وعرفوا ضعف وندالة الخديوي ورجالته.. يا ترى بعد عملة الخديوي الخايبة دي حايعمل إيه العرابيين.. أقول لكم.. حايعملوا حركة هي البداية الحقيقية لتاريخ مصر الحديث.. حا يعملوا مظاهرة عسكرية في ميدان عابدين.. وفـ يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881 أربع تلاف عسكري وضابط في ميدان عابدين.. بالسلاح.. لخديوي واقفين.. رافعين شعار.. مصر للمصريين.

ظلام

المشهد السابع

الزمان : الجمعة 9 سبتمبر 1881 م.
المكان : ساحة عابدين – جماهير غفيرة وجنود وضباط من الجيش علي يمين المسرح بينما يسار المسرح سلم القصر حيث سوف يقف الخديوي يحيط به مستر كوكسن قنصل إنجلترا والسير أوكلن كلفن المراقب المالي كذلك بعض رجال التشريفة.. ضوضاء تثيرها الجماهير قبل دخول الخديوي حين يدخل الخديوي تخف الضوضاء – لكن – لا تنقطع تماماً ويظل بعض الضباط شاهرين سيوفهم.

الخديوي : (موجهاً حديثه لشاهري السلاح) أغمدوا سيوفكم وعودوا إلى بلوكاتكم (لا يتحرك أحد) إذن.. أين هو قائدكم؟.. من هو قائدكم؟
الجماهير : هييه.. هييه.. يعيش عرابي.. يعيش عرابي.
الخديوي : وأين هو عرابي هذا؟
حارس   : عرابي بك يتقدم..
يخرج عرابي من وسط الضباط والجنود والجماهير ويتقدم في هدوء يحيط به مجموعة من الضباط
حارس   : أغمد سيفك.
يغمد عرابي سيفه بينما يمتنع بقية الضباط
الخديوي : ألا يغمدون سيوفهم؟
عرابي    : هم حراسي.
الخديوي : (ساخراً) حرس شرف..
عرابي    : إذا شئت.
كوكسن : شوت هيم SHOT HIM اكتله.. اكتله يا أفندينا.
الخديوي : أنت غبي يا مستر كوكسن.. ألا ترى من هم حولنا؟ لو مس أحد منا شعره من رأسه لقطعونا إربا بسيوفهم وأسنانهم.. شرفنا بسكوتك إن كانت آراءك من هذا النوع.. (موجهاً الحديث لعرابي).. ما هي أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟
عرابي    : جئنا لنعرض عليك طلبات الجيش والأمة، وكلها طلبات عادلة.
الخديوي : وما هي هذه الطلبات؟
عرابي    : عزل رياض باشا، وتشكيل مجلس للنواب، ورفع عدد الجيش..
الخديوي : (مقاطعاً) كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وقد ورثت هذه البلاد عن أجدادي وما أنتم إلا عبيد احساناتنا.
عرابي    : (غاضباً) لا والله.. لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاًُ وعقاراً، ف والله الذي لا إله إلا هو لن نورث أو نستعبد بعد اليوم.
الجماهير : (تهتف في حماس ويتكرر الهتاف) عاش عرابي.. عاشت مصر.. مصر للمصريين.
ينسحب الخديوي وبطانته ثم يعود مستر كوكسن ومعه سيبر أوكلن
كوكسن : معي رسالة من الخديوي..
عرابي    : تكلم..
كوكسن : الخديوي يذكركم بأن عزل الوزارة من صميم اختصاصه.
عرابي    : كلا.. بل من اختصاص الأمة.
كوكسن : كما أن طلبكم تشكيل مجلس نواب ليس من حقوق الجهادية، وزيادة عدد الجيش لا لزوم لها فمالية البلاد لا تساعد على ذلك ومصر ليست في حالة حرب.
عرابي    : أعلم يا حضرة القنصل أن طلباتي المتعلقة بالأهالي لم أعمد إليها إلا لأنهم أقاموني نائباً عنهم في تنفيذها بواسطة هؤلاء العسكر الذين هم إخوانهم وأبناءهم.
كوكسن : وإذا لم يستجب الخديوي لهذه الطلبات؟
عرابي    : أنظر إلى هؤلاء العساكر. هم القوة. القوة التي سوف ننفذ بها كل ما يعود على الوطن بالخير والمنفعة.. ثم أنظر إلى هؤلاء الأهالي.. الناس المحتشدين خلف العساكر.. إنهم أهالينا.. الذين أنابونا عنهم للمطالبة بحقوقهم، وليعلم الخديوي علم اليقين أننا لن نتنازل، ولن نترك هذا المكان ما لم تنفذ طلباتنا.
كوكسن : (ساخراً) أتعتقد أنك سنفذ طلباتك بالقوة؟
عرابي    : كما قلت.. طلباتنا.. نحن حتى الآن نطالب.
كوكسن : لكن القوة أمر خطير.. خطير لغاية.. قد يؤدي إلى ضياع بلادكم وخرابها.
عرابي    : ومن الذي يستطيع أن يفعل ذلك؟ ومن الذي يملك حق التدخل في شئوننا الداخلية؟ اسمع يا هذا.. لو اضطررنا فسوف نحارب من يتصدى لمطالبنا حتى نفنى عن بكرة أبينا.
كوكسن : (هازئاً) وأين لكم القوة التي تحاربون بها؟
عرابي    : إن مليوناً من ابناء هذا البلد على استعداد للدفاع عنه، والموت في سبيله.. يسمعون قولي، ويلبون إشارتي.
كوكسن : وإن لم تجب مطالبك؟
عرابي    : أقول كلمة أخرى.
كوكسن : وما هي؟
عرابي    : لا أقولها إلا عند اليأس والقنوط.
كوكسن : سأعود إلى الخديوي.
لحظة صمت تام حتى يعود كوكسن.
كوكسن : أبشركم.. قبل الخديوي مطالبكم، ووافق على قبول استقالة رياض باشا.
هرج ومرج بين الجماهير ثم تلاشي تدريجي للإضاءة مع خروج الجميع ظلام تام ويدخل النديم مع سبوت للإضاءة
النديم    : اللي حصل ما كنش ممكن يمر بسهولة.. مش ممكن الخديوي والأجانب يرضوا ويقبلوا الوضع اللي اتفرض عليهم.. الخديوي والأجانب كانوا مستنيين الفرصة علشان يدفعوا عرابي ثمن إذلاله ليهم، وعلىما جت لهم الفرص العرابيين عملوا إصلاحات كتيرة في مصر.. كونوا نظارة جديدة اهتمت بالإصلاح المالي والإداري ورفع المظالم، وأصدروا مجموعة قوانين لإصلاح الحال في الجيش.. اتعملت المحاكم الأهلية. اتطور التعليم. الدنيا اتنعنشت وبقى فيه نهض حقيقة توجها إنشاء مجلس النواب وصدرت اللايحة الأساسية.. يعني دستور.. طبعاً الوضع ده ما كنش ممكن يعجب الأجانب ليه بقى؟ لأن مصر لما يبقى فيها استقرار ودستور وديموقراطية الحياة تمشي لقدام وتبقى مصر دولة عظيمة.. وبكده.. تضيع مكاسب الأجانب في مصر.. واتفق الديابه.. اتفق الانجليز والفرنساوية اللي عمرهم ما بيتفقوا.. اتفقوا على إصدار مذكرة تعمل قلق في مصر وتمنع استمرار نجاح العرابيين في تطوير البلد.. وتوقع بين الخديوي والشعب وتكون سكة ليهم علشان يتدخلوا تدخل مسلح، ونفذوا خطتهم حسب مبدأ )فرق تسد) وده مبدأ استعماري مشهور.. وحصلت أزمة.. أزمة اتعرفت بأزمة يناير 1882 وكانت مقدمة لكارثة التدخل العسكري في مصر.
يخرج النديم ويدخل المدرس
المدرس   : في وسط الجو المكهرب ده الخديوي برضه ما كنش ساكت.. ماكنش قادر ينسى اللي عمله فيه عرابي.. عمل مؤامرة مع بعض الظباط الشراكسة علشان يقتلوا الظباط العرابيين.. عرابي وزمايله اكتشفوا المؤامرة وقبضوا على أربعين ظابط تركي وشركسي مشتركين في المؤامرة وحاكموهم.. الخديو كان لازم يدافع عن الظباط الأتراك والشركس.. اختلف مع العرابيين في الحكم – لكن – الأمر انتهى بنفي المتآمرين من مصر.. في عز المعمعة دي وصل بر مصر الأسطولين.. الانجليزي والفرنساوي، ودي كانت المقدمة لضرب إسكندرية واحتلال مصر.. بداية الاستعمار الإنجليزي اللي استمر حوالي سبعين سنة.

ظلام

المشهد الثامن

الزمان : استمرار لزمن المشهد السابق
المكان : قصر عابدين
الخديوي ومحمود سامي البارودي، وخيري باشا

البارودي : وهل علمتم يا أفندينا بمطالب فرنسا وبريطانيا؟
الخديوي : نما إلى علمي أنهم قدموا لكم مذكرة.. ما فحواها؟
البارودي : لهم عدة مطالب.. لو تحققت ستثير الكثير من المتاعب.
لخديوي : وما هي؟
البارودي : إبعاد عرابي باشا من مصر.. وإبعاد علي باشا فهمي، وعبد العال باشا حلمي عن العاصمة، واستقالة النظارة الحالية.
الخديوي : وما رأي النظارة في هذه الطلبات؟
البارودي : إنها مطالب سياسة يا أفندينا.
الخديوي : وعلى أي شئ استقر رأيكم؟
البارودي : رفضها طبعاً يا أفندينا.
الخديوي : لماذا ترفضوها؟
البارودي : يستحيل أن تقبل الجهادية بهذه المطالب.
الخديوي : وأنت؟
البارودي : مثلي مثلهم يا أفندينا.. نحن حلفاء ولن أخونهم.. إنه شرفي.
الخديوي : إذاً.. ما العمل؟
البارودي : لقد أرسلت رداً للقنصلية.
الخديوي : وماذا قلت فيه؟
البارودي : أبلغتهم رفض مجلس النظار لمطالب الدولتين.
الخديوي : وهل هذا هو رأي النظار وكبار الضباط؟
البارودي : هم مصرون على ذلك ولو أدى الأمر للقتال، وقد أقسمنا في قشلاق عابدين على المصحف والسيف أن نكون يداً واحدة وقلباً واحداً في الدفاع عن مصر.
الخديوي : هكذا.. عظيم.. عظيم جداً يا باشا.. أحسنتم.. أحسنتم.
البارودي : يسمح لي أفندينا بالانصراف..
الخديو   : تفضل..
يخرج البارودي
الخديوي : (منادياً) خيري باشا..
خيري    : (يدخل مهرولاً) في خدمة أفندينا.
الخديوي : أريدك أن تكتب رسالة إلى قنصل فرنسا، وقنصل بريطانيا..
خيري    : ماذا أكتب فيها يا مولاي؟
.الخديوي: نحن الخديوي توفيق. خديوي مصر.. نعلن قبولنا البلاغ المقدم منكم بكل مطالبه.
خيري    : هل يقبل أفندينا بما رفضته النظارة؟
الخديوي : ولم لا أيها الغبي.. لم يطلبوا إلا ما أريده بالتحديد وعلى وجه الخصوص (يضحك) وأعد لسفرنا للإسكندرية حتى نكون في حماية أساطيلهم عند اللزوم (يخرج من المسرح وهو يضحك).

ظلام

النديم    : (يدخل عليه سبوت وباقي المسرح مظلم) كان طبيعي إن وزارة البارودي تستقيل احتجاجاً على الخديوي وقبوله الإنذار اللي هي رفضته.. الدنيا هاجت لما استقالت الوزارة اللي حققت لهم الأمن والاستقرار والرخاء.. عرابي كانت صلته بالجيش قوية للغاية وده ساعده إنه يرتب أموره مع الظباط المصريين ويستعد للمواجهة اللي اتفرضت عليه.. الخديوي والأجانب ما قدروش على رد فعل الشعب وخافوا الفوضى تاكلهم، وتاكل مصالحهم في البلد.. رضيوا عرابي يرجع وزير للحربية وهما مبيتين النيه عالغدر، وفي نفس الوقت رتبوا المؤامرة اللي حيولعوا بيها النار، وكانت الشرارة حادثة تافهة رتبوا لها في يوم 11 يونيه 1882 في شاع السبع بنات في إسكندرية.. حادثة اتحولت لمذبحة..مذبحة إسكندرية (يخرج من المسرح).

ظلام

المشهد التاسع

الزمان : المغرب
المكان : الإسكندرية – شارع السبع بنات – قهوة القزاز
السيد العجان والمالطي وزبائن في القهوة.. مصريين وأجانب

العجان : الأجرة يا خواجه بالصلاة عا النبي.. خلينا نتكل على الله.
يلقي له المالطي بقطعة نقود معدنية
العجان : إيه ده يا خواجه عشرين خرده.. بتوع إيه دول؟.
المالطي   : أجرة الحمار.
العجان  : نهار بطوله نلف بيك من قهوة لخمارة ومن خمارة لقهوة لما حيلي وحيل الحمار اتهد،وآخرتها عشرين خرده؟
المالطي   : غيرها ما فيش.. اتطرق يا حمار.
العجان : حمار آه.. نصاب لا.. وانت مش حا تاكل عرقي..
المالطي   : أنت حيوان وقليل الأدب.
العجان  : اللهم طولك يا روح..شوف يا خواجه.. العشرين خرده دي ما تجبش تبن للحمار.. طيب إذا قلنا الحمار ياكل نص بطن.. مش برضه لازم آكل أنا كمان.. هات نص ريال.
المالطي   : نص ريال.. (يضحك) مهر أمك كان كام علشان تاخد مني نص ريال.. هوينا..
العجان  : بلاش سيرة أمي الله يستر عرضك. بلاش نص ريال.. جيب شلن.. واهي الخسارة القريبة ولا المكسب البعيد.. هات شلن خلينا نتكل على الله ونروح.
المالطي   : ولا برنزه واحده زيادة.
العجان  : عيب كده يا خواجه برضه أنت واحد أكابر واحنا ناس غلابه على قد الحال وما يرضيكش تاكل عرقنا.
المالطي   : أكابر غصبن عن أبوك يا جربوع..
العجان  : جربع جربوع ماشي يا سيدي.. أنت أكابر وباشا كمان يا الله بقى جيب شلن.
المالطي   : مافيش..
العجان : بلاش كده يا خواجه..
المالطي   : ما فيش.
العجان  : طب ودين النبي ما أنا سايبك.. بقى أنا عمال اتحايل عليك (يقفز ويضربه روسيه وهو يصرخ) يا ناس.. يامسلمين.. الخواجه سرق عرقي.. الحقوني (يستل المالطي سكيناً يطعنه عدة طعنات فيسقط العجان، ويدفعه المالطي بعيداً عنه ويفر هارباً) جاي يا مسلمين.. جاي يا أولاد البلد.. الخواجه قتلني جاي يا مسلمين.. جاي يا أولاد البلد..الحقوني (يسقط العجان ويلتم حوله بعض الناس).
رجل 1  : الحقونا يا أخوانا.. الراجل بيموت.. الراجل اتقتل..
رجل 2  : الله.. ده سيد العجان المكاري (يسند العجان على ساقه)مالك يا سيد إيه الل عمل فيك كده؟
العجان : المالطي قتلني.. الحقوني..
رجل 3  : شيلوه ع الاسبتاليه.
رجل 1  : إيدك معايا.
رجل 2  : ما لوش لازمه..
رجل 3  : ليه يا أخينا الرجل حايموت..
رجل 2  : البقيه في حياتكم.. السر الإلهي طلع.
رجل 1  : لا إله إلا الله.. معقوله ياناس.. الراجل يموت فطيس بين إيدينا كده واحنا واقفين نتفرج.. معقوله..
رجل 2  : لازم ناخد بتاره..
رجل 4  : ناخد بتاره من مين بس؟
رجل 2  : من الخواجات.. المالطي قتل المسلم.. الخواجه قتل ابن البلد..
رجل 3  : يالله نلم الناس.
(يحملون جثمان العجان ويدورون به)
أصوات  : جاي يامسلمين.. بيقتلوا اخوانا.. جاي يا مسلمين جاي.. الخواجات بيقتلونا.. جاي يامسلمين.. الخواجات بيقتلوا ولاد البلد..
(يتجمد الكادر للحظة وتطفئ الأنوار ثم تبدأ الإضاءة بفلاشر مع صوت إطلاق نيران وأضواء وأصوات انفجارات ثم)

ظلام

(يدخل النديم في الظلام يضئ عليه سبوت في مقدمة يسار المسرح، وفي الخلفية شاشة عرض تنزل عليها مجموعة صور مرسومة مأخوذة من الكتب التاريخية تواكب حديث النديم)
النديم    : وحصل اللي حصل وانضربت إسكندرية بمدافع الإنجليز..اتحججوا بالحادثة وبتصليح الطوابي وقالوا إن واجبهم حماية الأقليات.. وموقف الخديوي انتم بنفسكم شفتوه وسمعتوه.. كان واضح إنها نية مبيته، ورغم فرق القوة والتسليح العساكر المصريين لا خافوا ولا همهم.. كنت تشفهم وسط الدخان كأنهم في استعراض.. يسقط الراجل يتزرع مكانه راجل تاني.. الكل بيدافع عن إسكندرية.. الأهالي شاركو الجيش.. رجاله وحريم.. كبار وصغار، وكنت تشوف شيوخ الجوامع وهما بيلفوا ع الطوابي وسط الضرب ويشجعوا العساكر ويفكروهم بأجدادهم المجاهدين اللي حاربوا، ويحاربوا ويستشهدوا وياهم.
(يدخل المدرس ويقف بجوار النديم)
المدرس   :كانت العربيات الكارو شغاله زي المكوك تنقل المصابين للمستشفى العسكري اللي مكانه المستشفى الميري دلوقتي.. مستشفى كلية الطب.. الجريح يتعالج واللي يموت يدفنوه في جبانه جنبها.
النديم    :استمر ضرب المدينة بالمدافع يومين.. إسكندرية ولعت وبقت كوم رماد وتراب.
المدرس   : اضطر الناس يسيبوا إسكندرية.. وانسحب عرابي بجيشه لكفر الدوار علشان ينظم خطوطه ويصد الإنجليز في البر.
النديم    : عرابي العسكري الشريف افتكر إن خصومه أشراف زيه وحا يحترموا حياد القناة زي ما أكد له القناصل الأوروباويه.
المدرس   : لكن للأسف الكل كانوا متفقين إنهم يخدعوا عرابي لأنهم كانوا عارفين إنه يقدر يتصدى لهم لو واجهوه بشرف.
النديم    : عرابي ركز اهتمامه على الجبهة الغربية، والإنجليز دخلوا من الشرق.
المدرس   : اختار الإنجليز الإسماعيلية قاعدة للغزو واستخدموا الرشاوى والخيانة واستفادوا أكبر استفادة من موقف الخديوي المعادي لعرابي والوطنيين.
النديم    : اقتحمت السفن الإنجليزية الكنال واحتلوا بورسعيد والإسماعيلية لما عرف عرابي ماكنش قدامه غير إنه يتحرك بقواته بأسرع وقت للتل الكبير ويسيب الميدان الغربي.. وفي التل الكبير باع علي يوسف خنفس نفسه ووطنه للإنجليز وخان عرابي.. وانهزمت مصر.. هزمتها الخيانة.
(أصوات من خارج المسرح)
أصوات  :يا عزيز يا عزيز.. اهلك عسكر الإنجليز..
           يا سيمور يا وش النمله.. مين قال لك تعمل دي العمله.
           يا ويلس يابن المفلوته..راح ندفنك في المسخوطه
           يا عرابي ربنا وياك.. وقلوبنا وإيدينا معاك.
           يا عزيز يا عزيز.. كبه تاخد الإنجليز
النديم    : (يكلم الجمهور بفرح) سامعين.. الناس كلها معانا.. مصر كلها واقفه تحارب الإنجليز.
رجل 1  : (من وسط الجمهور) وحنفضل نحارب لأمتى.. الولس هزم عرابي في التل الكبير.
النديم    : صحيح.. بس مصر ما نهزمتش.. اللي زرعه عرابي في قلوب الناس وضمايرهم كبر وحيطرح يوم بعد يوم
رجل 2  : والنبي تتنيل على عين أهلك وتنقطنا بسكاتك خربتوها وقعدتوا على تلها
النديم    : أبداً اللي زينا هما اللي بيعمروا.. اللي خربها اللي زيك وزي الخديوي وعلي بيه خنفس.. اللي ما يعرفوش يعيشوا من غير سيد يحكمهم.. ما يعرفوش يكونوا أحرار.
رجل 3  : وعرابي مش كان لازم يعرف حدوده ويعرف بيعادي مين.
النديم    : عرابي ما طلعش من حدوده.. عرابي ما رحش بريطانيا.. الإنجليز هما للي جوله.. عرابي كان عايز مصر تبقى للمصريين.. ولادها اللي يحكموها.. يكتبوا تاريخها.. ويقرروا مصيرها.
رجل 2  : ودلوقتي؟
النديم    : ولا حاجه.. إن كان الديول نجحوا يكسروا شوكة مصر والمصريين، ويخلوا الإنجليز يحكموا ويتحكموا فده مش حا يستمر..
رجل 1  : إزاي؟
النديم    : اللي زرعه عرابي مش ممكن يموت.. حتى لو دفنوه حينبت ويكبر ويخضر ويطرح نوار ويزهر في كل بر مصر.. زرعة الحرية يستحيل تموت.. لا بد ما تطرح وترجع مصر للمصريين.
المدرس   : وأنت يا نديم.. حا تعمل إيه.. دول طالبين القبض عليك؟
النديم    : ولا يهمك.. ربنا معايا.. أنا زي فراشة التوت.. هاصنع شرنقه من حب الناس.. ها ستخبى في قلوبهم قبل بيوتهم.. مصر واسعة.. تساع النديم وهو الفلاح مرة.. وشامي مرة ومغربي ورومي.. أنا كل الناس.. رحلتي ابتدت في قلوب المصريين.. ومش حا تنتهي إلا ومصر للمصريين، والعدو بره الأرض، وبره الفكر والإرادة، ويا عزيز يا عزيز.. إهلك عسكر الإنجليز (يبكي النديم وهو يخرج – بعد خروجه يتجمع التلاميذ بملابس التمثيل وبدونها حول المدرس).
المدرس   : إيه رأيكم يا أولاد؟
تلميذ 1 : كده الدرس انتهى؟
المدرس   : إنتوا رأيكم إيه؟
تلميذ 3 : أنا رأيي.. لسه.
المدرس   : تقصد إيه؟
تلميذ 3 : حكاية عرابي لسه ليها بقيه.
المدرس   : صح ومش كده وبس.. لسه فيه حكايات مصريه كتيره..
تلميذ 2 : لسه حكاية مصطفى كامل، ومحمد فريد، وثورة 19، وجمال عبد الناصر..
المدرس   : بالظبط.. دول بقية الحكاية..
تلميذ 3 : لازم نعملها مسرح..
المدرس   : (ضاحكاً) قول بإذن الله.

ستار الختام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق